محللون اقتصاديون يحذّرون من إمكانية لجوء الرئيس التونسي إلى البنك المركزي لطلب طباعة عملة نقدية في خطوة ستفقد السلطات السيطرة على معدلات التضخم.
تونس - تلقى القرارات المتواترة التي يتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ الخامس والعشرين من جويلية الماضي ترحيبا من شريحة واسعة من الشعب التونسي، الذي يرى في سعيّد منقذا للبلاد من شلل سياسي عرقل تقدمها وكان حجر عثرة أمام تحقيق أهداف تنموية وطنية وجهوية.
ولكنّ غياب الرؤية الاقتصادية للرئيس سعيّد، الذي يبذل جهودا قصوى لحلّ المشكلات السياسية الحالية بما فيها تعيين رئيس حكومة قادر على إكمال مسيرة مكافحة الفساد التي يقودها سعيّد، من شأنها أن تعمّق أزمات تونس وخاصة الاقتصادية منها.
وحاول سعيّد شن حملة لخفض أسعار عدة سلع وهاجم في عدة مناسبات جماعات ضغط اقتصادية ومالية محلية قال إنها تنهش الاقتصاد وهدفها تكديس الأرباح ولو بشكل غير قانوني، لكنّ تحركاته لم تحدّ من تفاقم الوضع.
وكانت الممرضة أميرة السويسي من بين الآلاف من التونسيين الذين خرجوا ليحتفلوا بقرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد الصادرة في 25 جويلية ووعوده بمحاربة الفساد واحتواء الأسعار ومعالجة المشكلات المالية.
ولكن هذه المرأة -وهي أم لأربعة أطفال- مثل بعض التونسيين الآخرين بدأ صبرهم ينفد الآن مع ما يقولون إنه افتقاده لخطة اقتصادية لإنعاش الاقتصاد العليل من انهيار وشيك.
وتقول السويسي إن راتبها البالغ حوالي 350 دولارا شهريا لم يعد يواكب ارتفاع تكاليف المعيشة مع تضخم يبلغ 6.2 في المئة ومن الصعب الحصول على قرض مصرفي بسبب شح السيولة.
وقالت “توقعنا انخفاض الأسعار. لكن انظر سعر الكيلوغرام من شرائح الدجاج ارتفع في الأيام القليلة الماضية من 15 دينارا إلى 19 دينارا”.
وأوقف تدخل سعيّد في جويلية المحادثات التي تأخرت كثيرا مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قروض، كان من المتوقع أن يمهّد الطريق أمام الحصول على المزيد من المساعدة الاقتصادية وتفادي حدوث أزمة كبرى في المالية العامة.
ويقول المحلل الاقتصادي معز جودي إن “الوضع حرج للغاية في الاقتصاد والمالية العامة على وجه الخصوص.. نحن على وشك الانهيار منذ شهور”.
لكنه يرى أن الأزمة السياسية الآن وغياب أي برنامج ورؤية اقتصادية واضحة يسرّعان الانهيار الكامل.
وتوقع أن خطط سعيّد التركيز على السياسة يمكن أن تحوّل تونس إلى لبنان آخر والذي يعيش في خضم أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها من أعمق انكماش في التاريخ الحديث. ودفعت ثلاثة أرباع سكان لبنان إلى براثن الفقر وفقدت عملته المحلية 90 في المئة من قيمتها في العامين الماضيين.
وسعيّد، الذي أقال رئيس الوزراء، وجمّد البرلمان، ومنح نفسه سلطة الحكم بمراسيم، لم يعيّن بعد حكومة جديدة ولم يعلن أي خطة سياسة اقتصادية شاملة ولم يصرح كيف ينوي تمويل العجز العام وتسديد الديون.
وحذّر محللون اقتصاديون من أن سعيّد قد يلجأ إلى البنك المركزي لطلب طباعة عملة نقدية في خطوة ستفقد السلطات السيطرة على معدلات التضخم.
وسددت تونس أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية، لكن يتعين عليها أيضا أن تجد حوالي 5 مليارات دولار أخرى لتمويل العجز المتوقع في ميزانيتها وسداد المزيد من القروض الداخلية والخارجية.
ولا يزال سعيّد يتمتع بتأييد كبير من فئات واسعة من التونسيين الذين سئموا الفساد ويقولون إن يده نظيفة. لكن الشلل السياسي يضرّ بفرص إنعاش الاقتصاد.
ويقول رجل اسمه محمد بينما كان يجلس مع صديقين في مقهى إنه عاطل عن العمل منذ أربع سنوات ويشتكي من وضعه المادي السيء.
ويضيف محمد “الوضع الاقتصادي هو اختبار حقيقي للرئيس. الوضع سيء”. ويتابع “فتح الرئيس لنا باب أمل ونأمل ألا يغلقه بسرعة.. يجب أن يتجنب سعيّد الشعبوية. نريد أن نرى الرئيس يجتذب الاستثمارات ويوفر لنا فرص عمل. هذا ما نريده”.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن معدلات البطالة بلغت 17.8 في المئة، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد، أدت إلى عجز مالي قياسي تجاوز 11 في المئة في 2020.
وانكمش الاقتصاد بنسبة 8.2 في المئة العام الماضي بينما دفع عجز بنسبة 11.5 في المئة الدين العام إلى 87 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي.
ولا يرى كلّ من الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي والمقرضين الأجانب خيارات سوى استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وبينما تحتاج تونس نحو أربعة مليارات دينار شهريا لدفع الأجور وتسديد الديون، فإن المبالغ في خزانة الدولة تبلغ 544 مليون دينار فقط، بحسب بيانات البنك المركزي الصادرة الاثنين.
وساعد الغضب من الركود الاقتصادي، الذي تفاقم بسبب الوباء، في دفع دعم واسع النطاق على ما يبدو لتدخل الرئيس التونسي في 25 جويلية.
ولكن سعيّد يتعرض الآن لضغوط متزايدة لمعالجة المشكلات الاقتصادية في تونس بعد أن عرّضت الأزمة السياسية المكاسب الديمقراطية التي فاز بها التونسيون في ثورة 2011 التي أطلقت شرارة احتجاجات الربيع العربي للخطر.
وقال سعيّد إن إجراءاته ضرورية لإنقاذ البلاد من الانهيار ولمعالجة أزمة الشلل السياسي والركود الاقتصادي والاستجابة الضعيفة لوباء كورونا. وتعهد الرئيس التونسي بالدفاع عن الحقوق مكررا أنه لا يمكن أن يكون دكتاتورا.
ولم يضع الرئيس سعيّد أي حدّ زمني لإنهاء الوضع الضبابي للحياة السياسية في تونس، لكنه قال إنه سيعين لجنة للمساعدة في صياغة تعديلات على دستور 2014 وإرساء “ديمقراطية حقيقية تكون فيه السيادة الحقيقية للشعب”.