اختر لغتك

شباب تونس يحلق في عوالم وهمية بصاروخ زطلة

شباب تونس يحلق في عوالم وهمية بصاروخ زطلة

شباب بلا أمل في الحياة يبحثون عن متنفس لهم لنسيان واقعهم المرير فلا تجدونه إلا في المخدرات دون احتساب العواقب الخطيرة والنفق المظلم الذي يمكن أن يصل إليه الشباب التونسي، الذين انخرطوا في الاستهلاك إلى حدّ الإدمان منذ سنوات الدراسة الإعدادية والثانوية.


تونس - على أنغام الراب وأغاني الراي، يجتمع شباب لا تتعدى أعمارهم العشرين سنة في أحيائهم ليلا حول جلسة يتبادلون فيها سيجارة “زطلة”، حتى إذا ما انتهت يشعلون أخرى، وإذا تيسر الحال لديهم يؤثثون سهرتهم ببعض الجعة حتى تكتمل رحلة الإقلاع عن الواقع المرير الذي يعيشونه، هم يريدون أن يحلقوا كما يقولون إلى عالم مثالي يرسمونه في مخيلتهم، لذلك يسمون السيجارة المحشوة بمادة القنب الهندي (الزطلة) بالصاورخ.

ولا تقتصر هذه السهرات على الأحياء الشعبية في المدن الكبيرة من البلاد التونسية بل توجد أيضا في الأحياء الراقية مع بعض الفارق في نوعية الجلسة، كما أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة في المدن الصغيرة وفي الأرياف أين يستكين هؤلاء الشباب بعيدا عن المراقبة الأمنية.

استهلاك المواد المخدرة انتشر في صفوف الشباب بعمر الدراسة، وأصبحت ظاهرة بالإمكان ملاحظتها في الجامعات والمعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية بين الذكور والإناث؛ وجوه يظهر عليها تعب الاستهلاك وحتى علامات الإدمان، والتقارير الأمنية تؤكد بشكل يومي ضبط بعض المدمنين أو حتى المروجين أمام المؤسسات التعليمية.

في الأسبوع الماضي على سبيل المثال، تمكنت السلطات الأمنية في منطقة العقبة الواقعة بولاية تونس، من إيقاف طالب في الثانوية عمره 17 سنة بعد العثور داخل محفظته على 14 قطعة من الزطلة المعدة للبيع، وبالتحري معه اعترف أنه تمّ تكليفه من قبل شخص من ذوي السوابق العدلية قصد ترويج المخدرات.

انتشار ظاهرة استهلاك المخدرات في المؤسسات التعليمية ارتفعت بعد الثورة لأسباب عديدة منها الانفلات الأمني والجدل حول رفع العقوبات عن المستهلكين، حتى أصبح هناك ما يمكن أن نسميه تساهلا أو تسامحا ما ينتج عنه تفاقم لظاهرة الإقبال على استهلاك المواد المخدرة بأنواعها.

وساهمت أغاني الراب التي تغنت بالزطلة و”الشيخة” أي المتعة ونسيان الواقع المرير الذي يعيشه الشباب من فقر وبطالة وأفق مظلم للحياة.

ويحذر الخبراء الأمنيون والمختصون النفسيون والاجتماعيون من خطورة تفشي هذه الظاهرة بين الشباب وارتباطها بالجريمة وخاصة الإرهاب.

يقول الخبير الأمني في تونس مازن الشريف، إن عملية استدراج المدمنين تتم في المدارس والمعاهد والجامعات، وصولا إلى الملاهي الليلية ويتمّ استخدام الفتيات للعمل سواء للترويج والتوزيع أو الاستقطاب، قبل أن يتحوّلن بدورهن إلى ضحايا للإدمان.

وأضاف، أن تونس أصبحت جزءا من المافيا العالمية حيث يتم تهريب المخدرات في الشوكولاتة والأدوية وغيرها من السلع.

وشبه الشريف المرحلة التي وصلت إليها البلاد بما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية، منبها لدخول أنواع جديدة من المخدرات إلى البلاد التونسية منها مادة “الكبتاغون” التي تجعل الإنسان بلا إحساس، ويتم تسييره كما يريدون.

وحسب رئيس الجمعية التونسية لطب الإدمان الدكتور نبيل بن صالح يبلغ عدد المدمنين على استهلاك مادة القنب الهندي (الزطلة) في تونس حوالي 400 ألف مستهلك.

وحسب التقديرات التي أوردتها الجمعية، فإن هناك ما يقارب 33 ألف مدمن يستعملون مواد مخدرة أخرى عن طريق الحُقن.

وتشير دراسة أخرى، إلى ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات والزطلة في تونس والتي تبلغ قرابة 30 بالمئة بين الفئات العمرية من 23 إلى 35 سنة، أي ما يعادل مليون مستهلك.

وتمثل الفئـة بين 13 و18 سنة حوالي 57 بالمئة من المستهلكين في شريحة الشباب، وتقلّ نسبة التعاطي تدريجيا بين الفئات الأكبر سنّا.

ولا يقتصر انتشار المخدرات على الأحياء الفقيرة والمهمشة كما لا يقتصر على الشباب دون الفتيات، بل انتشرت كذلك بين شباب الأحياء الراقية، غير أن هناك اختلافا في طريقة ومكان الاستهلاك ونوعية المخدرات المستهلَكة بين الطبقتين، فساكنو الأحياء الراقية عادة ما يختارون تعاطي المواد المخدّرة في منازلهم بشكل فردي أو جماعي.

وما زاد في انتشار الزطلة هو غلاء ثمن الخمر في البلاد التونسية، فالاستهلاك الفردي لمادة الزطلة للفرد الواحد يتراوح بين 5و10 دنانير أي لا يتجاوز الخمسة دولارات أميركية في اليوم الواحد وهو مبلغ لا يكفي لشراء ثلاث أو أربع قوارير جعة.

وتشير رئيسة ديوان وزيرة شؤون المرأة التونسية سنية بن سعيدة إلى أن أسباب تفاقم الظاهرة بعد الثورة تتمثل خصوصا في انتشار مظاهر الفقر والتخلف والتهميش والتفكك الأسري وانعدام الرقابة الأسرية إلى جانب الضغوط النفسية نتيجة الفشل والإحباط أو الشعور بالنقص والانقطاع المبكر عن الدراسة.

ويتوقع الخبراء ازدياد المستهلكين للمواد المخدرة في تونس إذا ما وقع إلغاء عقوبة السجن، حيث سيكون ذلك حافزا للشباب لتجربة التحليق في الأحلام باستهلاك المخدرات، في ظل غياب الاهتمام الحكومي بالمدمنين، وغياب اكتراث المجتمع المدني والإعلام بهذه الظاهرة، وعدم تنظيم لقاءات توعية في المدارس والمعاهد وحتى الفضاءات العامة حول خطورة المخدرات على صحة الشباب.

وتؤكد سنية بن سعيدة أن مجال مقاومة ظاهرة الإدمان على المخدرات في تونس يشهد عدة نقائص، من ذلك عدم وجود خطة وطنية شاملة لمقاومة هذه الظاهرة وعدم ملاءمة القوانين لخصوصية الإدمان إلى جانب انعدام الإمكانيات اللازمة لإرساء مجتمع مدني يعمل على نشر الوعي والإحاطة والوقاية من خطر استفحال هذه الظاهرة.

 

آخر الأخبار

السجن لرجل أعمال ورئيس جمعية رياضية بتهم فساد مالي

السجن لرجل أعمال ورئيس جمعية رياضية بتهم فساد مالي

ريادة الأعمال النسائية في تونس: نحو اقتصاد أخضر وشامل لتحقيق التنمية المستدامة

ريادة الأعمال النسائية في تونس: نحو اقتصاد أخضر وشامل لتحقيق التنمية المستدامة

تونس في المرتبة الثانية في هجرة الكفاءات: أزمة تهدد المستقبل وضرورة استراتيجية وطنية للحد منها

تونس في المرتبة الثانية في هجرة الكفاءات: أزمة تهدد المستقبل وضرورة استراتيجية وطنية للحد منها

90 عامًا من الأمجاد: ترجي جرجيس يحتفي بتاريخه ويتصدر البطولة

90 عامًا من الأمجاد: ترجي جرجيس يحتفي بتاريخه ويتصدر البطولة

حين تتحول المهرجانات إلى بوابة للإثراء السريع: من يحاسب الفاسدين؟

حين تتحول المهرجانات إلى بوابة للإثراء السريع: من يحاسب الفاسدين؟

Please publish modules in offcanvas position.