كيف يمكن تعزيز الثقة في عصر المعلومات الكاذبة، والتعايش بين الثورة الرقمية والقيم الديمقراطية ممكن بشروط.
لندن- تطرح العلاقة بين التكنولوجيا والديمقراطية الكثير من وجهات النظر المختلفة والآراء المتناقضة، فبين من ينظر إلى كون الأولى قادرة على القضاء على الثانية وبين من يعتقد أنه في العصر الحالي لا يمكن الدوران خارج فلك التقنيات الحديثة، توجد مساحات تباعد شاسعة ولكننا أيضا نتبيّن البعض من نقاط الالتقاء.
لا يمكن أن نفصل الحياة الواقعية على الإنترنت، لقد باتت هذه حقيقة أثبتتها الأحداث السياسية والتحولات التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة فلا يمكن لأحد أن ينكر فضل الإنترنت في نقل أحداث الربيع العربي إلى فضاء أرحب من شوارع تونس ومصر وليبيا في أواخر 2010 وبداية 2011 على سبيل المثال، أو كيف ساهم الفضاء الافتراضي في أن يكون باراك أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة.
لكن هذه الميزات تلاها سيل كبير من حملات التشويه والتضليل ونشر الكراهية، ولم تمنع إيجابيات الإنترنت من بروز شبهات تلاعب بآراء ومواقف البريطانيين والأميركيين سواء في السباق الرئاسي للوصول إلى البيت الأبيض في العام 2016 أو في التصويت بنعم للبريكست.
ويعتقد الكثيرون أنه لولا استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لحسم نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية أو التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لكانت الأمور قد سارت بشكل مختلف وأقرب إلى الرغبة الحقيقية لأغلبية البريطانيين أو الأميركيين.
جدلية العلاقة بين التكنولوجيا والديمقراطية جعلت قمة الإنترنت لهذا العام توليها اهتماما خاصا لتناقش هذا العام بشكل أساسي مسألة “الصحوة الرقمية” التي كانت مناسبة لطرح أسئلة جوهرية في هذا السياق تدور حول ما إذا “كانت التكنولوجيا ستقضي على الديمقراطية” أو “كيف يمكن تعزيز الثقة في عصر المعلومات الكاذبة”. افتتاح قمة الإنترنت، الأسبوع الماضي، ميزها إطلاق تيم برنرز لي وهو أحد رواد القطاع لـ”عقد الإنترنت” الجديد ليكون ضمانا لأمن الفضاء الافتراضي ويجعل منه مساحة متاحة للجميع.
وجاء تفكير برنرز لي في عقد جديد للإنترنت بعد أن طغت سلبيات الشبكة العنكبوتية عن الإيجابيات التي أراد المؤسسون أن تتوفر فيه. لكن خبراء قطاع الإنترنت وإن أقروا بالآثار السلبية للتكنولوجيا على الحياة العامة للأشخاص، فإنهم يؤكدون أن التكنولوجيات الحديثة ليست أمرا شاذا عمّا مرت به غيرها من الاكتشافات الجديدة في مجال التقنية والتي صاحبتها عند ظهورها مخاوف مماثلة بشأن أضرارها. ويعتبر مؤسس قمة الإنترنت والمسؤول عنها بادي كوسغرايف أن القطاع يجتاز حاليا “مطبّات” وأن “هذه مرحلة للتفكير”.
كما أثارت فضيحة شركة “كامبريدج أناليتيكا” مخاوف الخبراء كما المستخدمين العاديين لشبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن اتهمت الشركة باستخدام بيانات شخصية لحوالي خمسين مليون مشترك في شبكة فيسبوك لأغراض سياسية.
تأمين البيانات الشخصية، كان بعيدا عن تفكير الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا الحديثة بل إنها جعلت منها مصدرا لحصد المزيد من الأرباح المادية. وبالنسبة لرواد الإنترنت كانت المعلومات عن حياتهم الخاصة حتى البسيطة منها أمرا غير ذي أهمية، لكن يمكن الاستفادة من بعض ما توفره الإنترنت بأقل خسائر مادية، ليدركوا في ما بعد أن الكلفة كانت أكثر مما كانوا يتصورون.
التقنيات الحديدة وسيلة فعالة لتبادل المعلومات والأفكار والمعارف بكل حرية وديمقراطية، تماشيا مع مميزات العصر الحالي. الإنترنت جعلت المعرفة ليست حكرا على فئة معينة أو طبقة اجتماعية معينة، بل جعلتها متاحة ومتوفرة للجميع دون تمييز على أي أساس كان.
الأمر المميز في مسألة ترسيخ التكنولوجيات الحديثة لفكرة الحرية في معناها المطلق وتوفير الفرص اللازمة لممارستها بالشكل الأمثل، يظهر في تشارك الأفكار المتعلقة بقضايا الشأن العام على شبكات التواصل الاجتماعي.
هذه الحقيقة مهدت الطريق لظهور فوضى المواقف والترويج للأخبار السيئة والزائفة إلى جانب انتشار الكراهية والعنف والشائعات. وهنا يلتقي الرأيان المتضادان بشأن ديمقراطية التكنولوجيا، ليقر كل منهما بأهمية إيجاد ضوابط أخلاقية وقانونية لاستعمال شبكات التواصل الاجتماعي.
ومن هذا المنطلق يصبح التعايش بين الثورة الرقمية والقيم الديمقراطية أمرا ممكنا سواء عن طريق الإرادة السياسية أو عن طريق إرادة الشركات التكنولوجية.