التطورات التي حصلت في مجالات الذكاء الاصطناعي لا تجعل فكرة أن تصبح حكومات العالم مستقبلا، مطالبة بتأمين جملة من الحقوق الاجتماعية للروبوتات مستبعدة.
إلى أي دستور ستحتكم بلدان العالم عندما تسيطر الروبوتات على جميع مجالات الحياة وتكتسب قدرات البشر وصفاتهم وتحتل وظائفهم؟ وكيف سيتم تنظيم حياتها؟ في هذا الإطار، يطرح بعض العلماء فكرة إنشاء كيان قانوني يمثل الروبوتات.
قالت إحدى الدراسات البريطانية إن الروبوتات الذكية قد تطالب في يوم ما بحقوقها القانونية، تماما كالبشر، وفي حال تم ذلك ستكون لها واجبات أيضا مثل الإدلاء بأصواتها ودفع الضرائب وربما أداء الخدمة العسكرية.
هذه التنبؤات تبدو هزلية ومثيرة للسخرية والضحك في الوقت الحالي، ولكن التطورات التي حصلت في مجالات الذكاء الاصطناعي لا تجعلنا نستبعد فكرة أن تصبح حكومات العالم مستقبلا، مطالبة بتأمين جملة من الحقوق الاجتماعية للروبوتات مثل السكن، بل وحتى الرعاية الصحية الخاصة (أي معالجة الأعطاب التي تطرأ عليها).
كما سيكون المجتمع المدني مطالبا باحترام حقوق هذه الروبوتات، وكل من يتعدى عليها قد يجد نفسه أمام المساءلة القانونية. وفي ظل التغيرات السريعة للغاية في عالم التكنولوجيا والابتكار، لا سيما بعد أن وجدت البعض من الروبوتات، التي كانت تبدو في البداية وكأنها مجرد لعب للتسلية، طريقها إلى المقدمة في حياة البشر اليومية، فإنها ستكون السيناريو المستدام والوحيد والمتاح في كل مكان.
ولو نظرنا إلى الصورة الأكبر، فإن هذه الروبوتات على وجه التحديد هي التي ستمثل القوة الدافعة وراء التغيير في جميع وظائف البشر وأعمالهم وفي توجيه أفكارهم وحتى في تحديد نظرتهم للحياة.
وقد تمكنت هذه الروبوتات بالفعل من إثبات جدارتها في عدة مجالات، فأصبح بإمكان البشر التحدث إليها تماما كما يفعلون مع الأصدقاء ويمكنها التفاعل معهم بشكل متزايد كل يوم.
ونجح أحد روبوتات الدردشة المزود بقاعدة بيانات عن الاستفسارات القانونية، في إلغاء 160 ألف مخالفة انتظار في لندن ونيويورك بعد أن استعان به قائدو المركبات لمعرفة ما إذا كانوا قد خالفوا القوانين المحلية فعلا بالانتظار في مكان ما أم لا.
ومع تحقيق الذكاء الاصطناعي نجاحات باهرة في كافة مجالات الحياة، بما في ذلك الرعاية الصحية، والزراعة والطهي المنزلي، وتربية الأطفال وتعليمهم… ماذا سيبقى من وظائف للبشر؟
يصعب التكهن بالمستقبل، ولكن الشركات التي تعمل في مجال أجهزة الروبوت تبذل جهودا مكثفة ليصبح تمييز الروبوت عن البشر أكثر صعوبة في المستقبل، إذ تم توظيف محررين ومؤلفين لصياغة محادثات تلك الأجهزة، وإضفاء السمات البشرية عليها حتى تجعلها خلاقة ونابضة بالحيوية، وقد تسفر هذه المحاولات عن تطوير أجهزة روبوت أكثر فطنة في عقد صفقات مع البشر، وتلبي توقعاتهم اللغوية، وقادرة على التكاثر وتطوير ذواتها أو تطوير ذكائها الاصطناعي.
ولذلك قد لا تكون مطالبة الروبوتات بحقوقها مستقبلا مجرد مزحة، وقد أثار خافيير أوبرسون، الأستاذ السويسري بجامعة جنيف، مثل هذا الأمر بقوله قبل أكثر من عشر سنوات “إذا كان الموت والضرائب هما الحقيقتان الوحيدتان المؤكدتان في هذه الحياة، فلماذا إذن لا تُفرَض الأخيرة على الروبوتات أيضا عندما تستولي على الوظائف التي يُنجزها البشر تقليديا؟”.
ويرى أوبرسون المحامي المُتخصص في قانون الضرائب وأحد أكثر الأشخاص تحمّسا لمنح الروبوت صفة اعتبارية أن استحواذ الروبوتات على المزيد من الوظائف -ولا سيما في قطاعي الصناعة والخدمات- قد يتسبب في ارتفاع معدلات البطالة، مما سينطوي على خسائر في عائدات الضرائب واشتراكات صناديق الضمان الاجتماعي التي تستلمها الحكومات في جميع أنحاء العالم.
ويعتقد أن فَرض ضريبة على العمل الذي تنجزه الروبوتات يُمكن أن يساعد في تعويض هذه الخسائر، مشددا على ضرورة إنشاء “كيان قانوني” يمثل الروبوتات، تماماً كما هو الحال اليوم بالنسبة للشركات.
وقال أوبرسون “سوف تكون هناك حاجة إلى اتباع نهج عالمي، فهذا ليس شيئا يمكن أن تعرضه دولة وحدها. كما قد تواجِه مثل هذه الضريبة قضية شائكة تتعلق بالمنافسة الدولية، وبطبيعة الحال هناك الكثير من الأسئلة القانونية أيضاً”.
وأضاف “أعتقد أننا بحاجة إلى التركيز على الاختلافات الأساسية التي تميز الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي عن أجهزة أخرى، مثل التسيير الذاتي، والقدرة على التطور، واتخاذ القرارات، والتعلُّم من التجارب السابقة”.
ورغم أن حجج أوبرسون لم تقنع الكثيرين وقتها، إلا أن فيها جانبا كبيرا من الصحة، إذ تنامى خلال السنوات الأخيرة استخدام الروبوتات على نطاق واسع، ما دفع بعض الخبراء إلى التحذير من إمكانية أن تسهم الروبوتات في رفع معدلات البطالة بأكثر من 50 بالمئة خلال الـ30 عامًا المقبلة.
وقال الأستاذ موشي فاردي من جامعة رايس إن الروبوتات ستحل محل البشر في معظم الوظائف تقريبا خلال 30 عاما، مما سيضع البشرية في مواجهة “أكبر تحدّ في تاريخها على الإطلاق” والمتمثل في فقدان معنى الحيـاة حينما لا يصبح العمل ضروريا.
وذكر فاردي في تقرير نشرته صحيفة التلغراف البريطانية أن الكثير من أرباب المهن في الطبقة المتوسطة سيستعينون بالروبوتات في غضون العقود القليلة المقبلة، مما سيزيد من أوقات الفراغ لدى العمال بصورة أكبر من أي وقت مضى.
وأضاف فاردي في تصريحاته خلال الاجتماع السنوي للرابطة الأميركية لتقدم العلوم في واشنطن أن تنامي استخدام الروبوتات على نطاق واسع من الممكن أن يرفع معدلات البطالة بأكثر من 50 بالمئة خلال الـ30 عاما المقبلة.
ومن جانبها عبرت ليسل ييرسلي، رائدة الأعمال التي اشتغلت في مجال أجهزة روبوت الدردشة، عن مخاوفها من أن تسيطر البرامج الآلية على البشر.
وتعتقد ييرسلي أن ارتباط البشر بالآلة أصبح شائعا بشكل ملفت، فالكثيرون يدلون بأدق أسرارهم إلى الروبوت. رغم أن الروبوت في نهاية الأمر ما هو إلا آلة، وليس بشرا باستطاعتهم التحدث إليه والفضفضة معه.
لكن رغم التقدم التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي، ما زال أمام الروبوتات التي ستتظاهر للمطالبة بحقوقها كما البشر درب طويل لتسلكه فيما يتعلق بتطوير قدراتها، مما يجعل فكرة كهذه صعبة التحقق على الأقل في الوقت الحاضر.
محمد اليعقوبي
مهندس اتصالات من تونس