احتضن فندق الشيراتون بتونس يوم 21 نوفمبر 2025 ورشة عمل تشاورية نظمتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بتونس وليبيا بالتعاون مع المنتدى من أجل المساواة وحقوق النساء وبدعم من مشروع Amen Tech الممول من سفارة المملكة المتحدة بتونس، وذلك في إطار مقاربة وطنية تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين ودعم الجهود المبذولة لمكافحة العنف المسلط على النساء والفتيات بما في ذلك العنف الرقمي الذي يشهد انتشارا متسارعا في السنوات الأخيرة، وقد جاءت هذه المبادرة في سياق يواصل فيه الإطار التشريعي التونسي التطور خاصة بعد صدور القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة غير أن الواقع الميداني يؤكد أن هذا التقدم القانوني لا يزال بحاجة إلى دعم فعلي على مستوى التنفيذ لمواجهة ظاهرة العنف بمختلف أشكالها.
وتبرز أهمية هذا اللقاء بالنظر إلى المعطيات الإحصائية الحديثة التي تكشف استمرار انتشار العنف ضد النساء بشكل مقلق، إذ تشير نتائج المسح الوطني حول العنف المسلط على النساء لسنة 2022 الصادر عن المعهد الوطني للإحصاء إلى أن 84% من النساء في تونس تعرّضن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف خلال حياتهن بينما صرحت 14.4% منهن بتعرضهن للعنف الرقمي سواء عبر التهديد أو التشهير أو القرصنة أو التحرش الإلكتروني، كما تؤكد دراسة صادرة عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (CREDIF) في جانفي 2022 أن أربع نساء من بين خمس ممن تعرضن للعنف صرن أيضا ضحايا لأحد أشكال العنف الرقمي وهو ما يعكس اتساع رقعة هذا النوع الجديد من الانتهاكات ويستدعي ضرورة إدماجه بشكل واضح في السياسات العمومية والاستراتيجيات الوطنية للحماية.
ومن هذا المنطلق، مثل محور الورشة فرصة لإعادة التأكيد على أهمية المصادقة على اتفاقية الاتحاد الإفريقي للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات (AU CEVAWG) التي تعد أول أداة قانونية قارية مخصصة بالكامل لمكافحة العنف المبني على النوع الاجتماعي وتقوم على أربعة محاور أساسية تشمل الوقاية والحماية والملاحقة القضائية وتنسيق السياسات العمومية، وتكتسي هذه الاتفاقية أهمية خاصة لتونس بحكم تكاملها مع الأطر الدولية والإقليمية القائمة مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) وبروتوكول مابوتو واتفاقية إسطنبول كما أنها تفتح الباب أمام آليات تعاون وتمويل ومتابعة إقليمية يمكن أن تعزز المكتسبات الوطنية التي جاء بها القانون 58، ويضاف إلى ذلك أن تونس لعبت دورا بارزا في إعداد هذه الاتفاقية من خلال رئاستها للجنة الفنية التي تولت صياغتها ومشاركتها الفعالة في المشاورات على مستوى الخبراء والوزراء وهو ما يجعل المصادقة عليها خطوة طبيعية لترسيخ ريادتها في مجال حقوق النساء على المستوى الإفريقي.
وإنطلقت الورشة بكلمات ترحيبية من ممثلي الجهة المنظمة والشركاء وتم على إثر ذلك تقديم عرض للإطار العام لأهداف اللقاء قبل المرور إلى سلسلة من المداخلات التي تناولت قراءة تحليلية لمضامين اتفاقية AU CEVAWG ومقارنتها بالأدوات الدولية القائمة مع إبراز القيمة المضافة التي تقدمها للمنظومة التشريعية التونسية خاصة فيما يتعلق بتعزيز الوقاية من العنف الرقمي وتطوير آليات الملاحقة القضائية وحماية الضحايا.
وتواصلت النقاشات خلال الورشة عبر جلسات عمل جمعت مختلف المشاركين من المجتمع المدني وتم خلالها تحليل العقبات والتحديات التي تعيق التفعيل الأمثل للقانون 58 والآليات الردعية المرتبطة بالعنف الإلكتروني، فضلا عن تحديد الفاعلين الأساسيين وبناء رؤية مشتركة حول استراتيجية وطنية للضغط والمناصرة من أجل تسريع مسار المصادقة على الاتفاقية، وأسفرت أعمال المجموعات عن جملة من المقترحات التي تضمنت الدعوة إلى تحسين التنسيق المؤسسي وتطوير برامج تكوين موجهة للقضاة وأعوان الضابطة العدلية في قضايا العنف السيبراني وتكثيف الحملات التوعوية الرقمية الخصوصية بالمناطق الريفية والمهمشة لحماية النساء والفتيات من الاستغلال والإيذاء الإلكتروني.
وانتهت الورشة بسلسلة توصيات صيغت كمنطلق لخطوات عملية تهدف إلى تعزيز حماية النساء في الفضاءين الواقعي والرقمي وتدعيم الجهود الوطنية نحو مصادقة تونس على الاتفاقية الإفريقية بما من شأنه أن يرسخ ريادتها الإقليمية ويدعم إطارها القانوني الوطني بمزيد من الانسجام مع المعايير الدولية والإفريقية، وهكذا أكد اللقاء على ضرورة الانتقال من التشريعات إلى التنفيذ الفعلي ومن المبادئ إلى السياسات الملموسة ومن المبادرات المعزولة إلى رؤية مشتركة قادرة على ضمان فضاء آمن ومتساو لجميع النساء والفتيات في تونس.



