في خطوة تصعيدية تاريخية، أقرّت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل، يوم 21 جانفي 2026، بالإجماع، الإضراب العام على المستوى الوطني، في رسالة واضحة للحكومة والسلطات بأن المطالب الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة لم تعد قابلة للتأجيل.
وجاء في بيان الاتحاد، الذي نشره موقعه الرسمي الشعب نيوز: الإضراب “دفاعًا عن الحقوق والحريات، والحق النقابي، والحق في التفاوض من أجل الزيادات في الأجور، ومكسب الحوار الاجتماعي”. هذه الكلمات ليست مجرد شعار، بل انعكاس لسنوات من النضال النقابي الذي شكل جزءًا من تاريخ تونس الاجتماعي والسياسي منذ الاستقلال.
نضالات تاريخية وتراكم المطالب
لم يكن هذا الإعلان حدثًا مفاجئًا؛ فالاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تأسس عام 1946، لعب دورًا محوريًا في تاريخ تونس الحديث، من نضاله ضد الاستعمار الفرنسي إلى دوره في الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال بعد الاستقلال. وعبر عقود، كانت الإضرابات والتحركات العمالية جزءًا من قوة الضغط الاجتماعي التي شكلت ركائز الديمقراطية والمكتسبات العمالية في البلاد.
اليوم، تتجدد المطالب على خلفية تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، ما دفع الاتحاد إلى اعتبار أن مكاسب الحوار الاجتماعي لم تعد مضمونة ما لم تتخذ الحكومة خطوات ملموسة. وحسب مصادر نقابية، فإن الإضراب قد يشمل العديد من القطاعات الحيوية، بما فيها المؤسسات العمومية والاستراتيجية، ما قد يخلّف تأثيرات مباشرة على الاقتصاد الوطني والخدمات الأساسية للمواطنين.
تأثير محتمل على الاقتصاد والمجتمع
خبراء اقتصاديون يحذرون من أن الإضراب العام، إذا طال أمده، قد يضعف الإنتاج ويؤثر على القطاعات الاقتصادية الحيوية، بما فيها النقل والطاقة والصناعات الأساسية. ومن جهة أخرى، يرى مختصون في علم الاجتماع أن التحركات العمالية تأتي كرد فعل طبيعي على تراكم الاحتقان الاجتماعي، وتعكس حاجة عاجلة إلى سياسات اقتصادية عادلة وشاملة.
الرهان على الحوار والتوافق
في ضوء هذه التطورات، يبقى الرهان على قدرة الحكومة على إدارة الأزمة عبر الحوار الجاد مع الاتحاد العام التونسي للشغل، لتفادي تصعيد واسع قد يفضي إلى احتجاجات جماهيرية واسعة وتوترات اجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد، عبر تاريخه، عرف كيف يحوّل الإضراب إلى أداة ضغط قوية تُفضي غالبًا إلى نتائج ملموسة على صعيد الحقوق والأجور.
تونس اليوم أمام لحظة حاسمة في تاريخ النضال النقابي، حيث يختبر الاتحاد العام التونسي للشغل من جديد قدرة الدولة على الاستجابة لمطالب الطبقة العاملة وحماية مكتسبات الحوار الاجتماعي، بينما يترقب الشارع تداعيات هذه الخطوة على الاقتصاد والحياة اليومية. ومع تصاعد الأصوات النقابية، يبدو أن عام 2026 سيبدأ بإعادة رسم خريطة العلاقة بين العمال والدولة، بين الحقوق والمطالب، بين التاريخ والحاضر الاجتماعي.



