كشف مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي لسنة 2025، الصادر عن موقع «ذا أوبزرفر»، عن تموقع متأخر لتونس في المرتبة 85 عالميًا من أصل 93 دولة شملها التصنيف، في نتيجة تعكس هشاشة الحضور الوطني في أحد أكثر مجالات المستقبل حساسية وتأثيرًا في الاقتصاد والسيادة التكنولوجية.
ويعتمد المؤشر على ثلاثة مرتكزات أساسية تتمثل في مستوى التطبيق والتنفيذ، وحجم الابتكار، ونسق الاستثمار، إلى جانب سبعة مؤشرات فرعية رسمت صورة دقيقة لمكامن القوة والضعف داخل المنظومة التونسية للذكاء الاصطناعي.
سوق واعد… دون ترجمة فعلية
وسجّلت تونس 90 نقطة في مؤشر حجم السوق، وهو أعلى تقييم لها ضمن المؤشرات الفرعية، ما يعكس وجود إمكانات حقيقية لنمو سوق الذكاء الاصطناعي محليًا، مدعومة بقاعدة شبابية وكفاءات تقنية قادرة على الانخراط في هذا المسار. غير أنّ التقرير اعتبر هذه الإمكانات «غير مستثمرة بالشكل الكافي»، في ظل غياب مشاريع كبرى قادرة على تحويل الطلب المحتمل إلى قيمة اقتصادية ملموسة.
التزام حكومي محدود الأثر
وفي ما يتعلّق بالاستراتيجية الحكومية، نالت تونس 88 نقطة، في إشارة إلى وجود إرادة رسمية لدعم الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي. إلا أن التقرير شدّد على أن هذه الاستراتيجيات لا تزال تصطدم بندرة الموارد المالية، وضعف آليات التنفيذ، ما يقلّص أثرها العملي مقارنة بالتجارب الإقليمية الرائدة.
استخدام دون المعايير الدولية
أما مؤشر شدة الاستخدام، فقد بلغ 82 نقطة، وهو مستوى اعتبره التقرير مشجّعًا، لكنه يظل دون المعدلات الدولية، خاصة في ما يتعلق بإدماج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والصناعة، والخدمات العمومية.
قطاع خاص نشيط… لكنه هش
وسجّل النظام البيئي التجاري 76 نقطة، حيث أقرّ التقرير بحركية نسبية داخل القطاع الخاص، خاصة على مستوى المبادرات الناشئة، غير أنّ ضعف الاستثمارات، وقلّة الشركات المتخصّصة ذات النضج التكنولوجي، لا تزال تعيق تحوّل هذه الحركية إلى منظومة اقتصادية متكاملة.
بحث علمي الحلقة الأضعف
وحصل محور التطوير والتحويل على 75 نقطة، مدعومًا ببعض المبادرات المفتوحة المصدر وبراءات الاختراع، إلا أنّ المفارقة الكبرى برزت في محور البحث العلمي، الذي سجّل أضعف أداء بـ4 نقاط فقط، في مؤشر خطير على محدودية الإنتاج الأكاديمي والابتكار العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات ومراكز البحث.
كما نال محور الكفاءات 68 نقطة، مع الإقرار بوجود خبرات تونسية مؤهلة، لكنها غير كافية لمجاراة الدول الرائدة، فيما حصلت البيئة التشغيلية على 67 نقطة بسبب ضعف انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي على مستوى المجتمع والمؤسسات.
خارج العشرة الأوائل إفريقيًا
وبناءً على هذه النتائج، فشلت تونس في دخول قائمة أفضل عشر دول إفريقية في مجال الذكاء الاصطناعي. في المقابل، تصدّرت مصر الترتيب الإفريقي بحلولها في المركز 47 عالميًا، تلتها جنوب إفريقيا (54)، وغانا (61)، فالجزائر (65)، والمغرب (68)، ونيجيريا (69)، ثم موريشيوس (70)، وكينيا (74)، والسنغال (75)، فيما جاءت ساحل العاج في المرتبة 84 عالميًا.
ويعيد هذا التصنيف طرح سؤال جوهري: هل تملك تونس رفاهية التأخر في سباق الذكاء الاصطناعي، أم أن الوقت قد حان للانتقال من التشخيص إلى قرارات جريئة تجعل من الذكاء الاصطناعي رافعة سيادية وتنموية، لا مجرد بند في التقارير الدولية؟
