تشهد ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة تحولاً لافتاً في المزاج العام، كشفته نتائج الانتخابات البلدية لعام 2025 التي أعلنتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، حيث برز التيار الوطني الإصلاحي المقرّب من سيف الإسلام القذافي كلاعب سياسي قوي، بعد أن حقق تقدماً كبيراً في عدد من البلديات الرئيسية أبرزها الزاوية، صبراتة، صرمان وبئر الغنم.
وفق المعطيات الرسمية، حصد مرشحو هذا التيار والمستقلون المتعاطفون معه أغلبية مريحة في صناديق الاقتراع، مدعومين بشبكات تكنوقراطية قديمة وشخصيات إدارية مخضرمة، ما يعكس – بحسب مراقبين – حنيناً جماعياً إلى دولة النظام والانضباط بعد سنوات الفوضى والانقسام.
وقال أحد أعضاء اللجان الانتخابية في صبراتة، مفضلاً عدم الكشف عن هويته:
"التصويت كان رسالة واضحة: الناس تريد دولة قوية تحفظ الأمن والكرامة، لا صراعات عبثية ولا سلطات متناحرة."
هذا المزاج الشعبي الجديد لم يقتصر على كبار السن أو أنصار النظام السابق، بل امتدّ إلى فئة الشباب أيضاً. ففي صفوف "مجلس شباب الزاوية" مثلاً، يعلن عدد من النشطاء انتماءهم إلى ما يسمّونه الإرث التحديثي لسيف الإسلام القذافي.
"لسنا ندعو لعودة نظام سابق، بل لعودة رؤية – رؤية ليبيا موحدة ومتعلّمة ذات سيادة. سيف الإسلام يرمز إلى الاستمرارية الوطنية لا إلى الانتقام السياسي"، يقول أحد نشطاء حركة ليبيا واحدة.
ويرى مراقبون أن هذه النتائج تعبّر عن تحول في الخطاب العام الليبي، من الانشغال بالانقسامات الجهوية والعسكرية إلى التركيز على قضايا الاستقرار والتنمية والمصالحة. فالتيار المقرّب من القذافي الابن لا يزال يمتلك نفوذاً ملموساً داخل القبائل الجنوبية في فزان، وفي أوساط الإداريين السابقين بسرت وسبها، مستفيداً من رصيد "الحنين إلى الدولة".
ويقول أحد المقربين من محيط سيف الإسلام في تصريح خاص:
"ما يحدث ليس مصادفة. إنه عمل منظم بدأ منذ سنوات، قائم على الصبر والتدرج. الشباب الذين كبروا وسط الفوضى يبحثون اليوم عن مؤسسات ثابتة وقيادة واضحة."
ويُلاحظ المراقبون أن الاستراتيجية الحالية لسيف الإسلام القذافي تقوم على الغياب المتعمّد عن المشهد المباشر، مقابل تمكين المقربين منه من التحدث باسمه وقيادة المبادرات المدنية والمشاريع التنموية في المناطق الريفية. هذه المقاربة، بحسب محللين دوليين، تعكس إعادة تأهيل سياسية تدريجية فرضتها حالة الإرهاق الوطني من الحروب والانقسامات، فيما يعتبرها آخرون تجسيداً لرغبة شعبية في استعادة الإحساس بالنظام والهوية الوطنية الجامعة.
وفي المقاهي والأحياء الشعبية بطرابلس وصرمان والزاوية، يتردد تعبير واحد أكثر من غيره:
"الرجعة" — عودة ليست لشخص، بل لفكرة. فكرة الدولة التي تتحدث بصوت واحد وتجمع الليبيين من جديد.



