المهاجرون في مسرحية "في بطن الحوت" لمروة المناعي يجدون أنفسهم في صراع متواصل بين البحث عن الأمان وبين التورط في منظومة قانونية تطبق قواعد صارمة لا مكان فيها للإنسانية. من خلال هذا النص المسرحي المستوحى من قصص قصيرة لكتاب كرواتيين، نكتشف عالمًا معقدًا من الهويات المفقودة والحقائق الملتبسة التي تقود أبطال المسرحية إلى نقطة التقاء بين البحث عن الأمل والفشل في الهروب من قيود الواقع.
الرمزية الكامنة في العنوان "في بطن الحوت" تجعلنا نعود إلى قصة النبي يونس، لكنها تحمل في طياتها دلالات أوسع تتعلق بالمهاجرين الذين لا يجدون في الظلمات مكانًا للهرب. حيث يصبح الحوت بمثابة الكائن الرمزي الذي يلتهم الجميع، سواء كانوا مهاجرين يبحثون عن حياة جديدة أو مسؤولين يحاولون تطبيق قوانين تهدف إلى تدمير البشر بدل حمايتهم.
تدور أحداث المسرحية حول شخصيات تمثل تجارب مختلفة للمهاجرين: من الباحثة الأكاديمية التي تسعى للحصول على منحة لدراسة الانتهاكات في مراكز الإيواء، إلى مدير المركز الذي يحاول ترحيل كل من فيه، وصولًا إلى المهاجرين الذين يغيرون هوياتهم وأسماءهم ليتجنبوا العودة إلى بلادهم. لكل شخصية هواجسها وهمومها، ولها دور في إظهار التوتر بين القانون والإنسانية.
بفضل السينوغرافيا المتقنة، حيث يتم استخدام الحواجز الشفافة وتقنيات الإضاءة لتسليط الضوء على الضغوط التي يعاني منها المهاجرون، تنجح مروى المناعي في إبراز الفجوة بين "المنظومة" و"الإنسان". الحواجز التي تقسم الفضاء المسرحي تصبح رمزًا لحواجز نفسية وقانونية تمنع التفاعل السليم بين الشخصيات.
المسرحية لا تركز على حكم شخصي ضد أحد الأبطال، بل تعكس أكثر صراع النظام مع الإنسان. فهي توضح كيف أن الهيئات القانونية والاجتماعية تفرض قيودًا على الأفراد، وتجعلهم يواجهون مصيرهم بشكل متناقض بين خيانة الواجب وتمسكهم بأحلامهم.
العمل يغوص في عمق قضايا الهجرة غير النظامية، محاولًا تسليط الضوء على معاناتهم وكيف أن القانون لا يعترف بإنسانيتهم. إنه صراع مع القوانين التي تبدو مجرد نصوص، ولكنها تؤثر بشكل مباشر في الحياة البشرية، مجسدة في الشخصيات التي تبحث عن الهروب من المأساة أو حتى التملص من مسؤولياتهم.
مقاصد المسرحية:
المسرحية لا تقتصر على عرض قضية الهجرة غير النظامية بل تقدم أيضًا نقدًا للمجتمع الذي يسعى لتصفية المهاجرين من خلال قواعده البيروقراطية، متجاهلاً العوامل الإنسانية. تُظهر كيف أن الشخصيات، رغم خلفياتهم المتنوعة، يدفعهم النظام إلى المساهمة في بناء جدران لا يمكن لأي شخص تحطيمها.