اختر لغتك

الإدمان في ثياب المراهقة... كيف يتسلّل السمّ إلى بيوت العائلات في صمت؟

الإدمان في ثياب المراهقة... كيف يتسلّل السمّ إلى بيوت العائلات في صمت؟

بقلم: عبد الحفيظ حساينية

تتبدّل نبرة صوته فجأة، تتراجع نتائجه الدراسية دون سبب، ينسحب من جلسات العائلة، ويغلق بابه بالساعات...

مشاهد تمرّ على الأهل مرور الكرام، تُفسَّر عادة بأنها "مراهقة متعبة" أو "مرحلة تمرّ وتزول"، لكنها في الواقع قد تكون الواجهة الهادئة لعاصفة الإدمان التي تضرب المراهقين في سنّ مبكرة، داخل البيوت والمدارس، بصمتٍ لا يسمع صداه إلا بعد فوات الأوان.

الإدمان لم يعد صورة نمطية لمتشرّد في الشوارع أو شاب عاطل في الأزقة المظلمة.

بل أصبح مرضًا متخفّياً في ملامح أبنائنا، يتسلّل من خلال تجارب فضولية أو تأثير أصدقاء، ثم يتحوّل إلى دوامة يصعب الإفلات منها.

🔹 بداية الحكاية: حين يختبئ الخطر في التفاصيل الصغيرة

يقول الأطباء إن أخطر ما في الإدمان هو بدايته غير المرئية. فهو لا يبدأ بإبرة أو سيجارة، بل بفكرة "التجربة"، وبصمتٍ نفسي يعيشه المراهق أمام ضغوط الواقع والدراسة والعلاقات.

تؤكّد الدكتورة فاتن إدريس، المختصة في علاج الإدمان والإقلاع عن التدخين بمستشفى الرازي، أنّ الأرقام الرسمية "تدق ناقوس الخطر"، إذ تتراوح نسبة استهلاك الكوكايين والهيروين بين 0.6 و0.8%، بينما بلغت نسبة تعاطي القنب الهندي (الزطلة) حوالي 9% في صفوف التلاميذ بين 16 و18 سنة، وفق إحصائيات سنة 2021.

هذه الأرقام، وإن بدت محدودة، إلا أنّها تكشف عن اتساع قاعدة التجربة الأولى التي تُمهّد لاحقًا للإدمان الفعلي.

🔹 عندما يتحدث السلوك قبل اللسان

يرى الأخصائيون أنّ أولى الإشارات تظهر في السلوك:

- انعزال، انطواء، تغيّر مفاجئ في الأصدقاء، غضب غير مبرّر، وكتمان مبالغ فيه.
- تتحوّل غرفة الابن إلى "منطقة مغلقة"، والهاتف إلى "سلاح سرّي"، فيما تتراجع نتائجه الدراسية ويصبح وقته خارج السيطرة.

وتشير دراسات نُشرت في Journal of Adolescent Health إلى أنّ الانسحاب الاجتماعي المفاجئ هو العلامة الأكثر شيوعاً لتعاطي المخدرات في مرحلة المراهقة، حيث يبحث المتعاطي عن بيئة لا تُدين سلوكه بل تشاركه الانحراف ذاته.

أما الكذب، فقد يصبح وسيلة حياة. يكذب ليُخفي، يكذب ليبرّر، وأحياناً ليحصل على المال.

وحين يبدأ الأهل بملاحظة اختفاء أغراض من المنزل، تكون الحلقة قد بدأت تضيق بالفعل.

🔹 جسد يصرخ... بصمت

يصف الأطباء الأعراض الجسدية بأنها “لغة الإدمان غير المنطوقة”:

- احمرار العينين، اضطراب الشهية والنوم، رعشة اليدين، تغيّر الوزن والمظهر، علامات تعب تبدو كمرض عابر لكنها تخفي اضطرابًا كيميائيًا عميقًا في الدماغ.

- القنب الهندي، مثلاً، يرفع الشهية بشكل كبير ويزيد الخمول، في حين تُحدث المواد المنبهة مثل الكوكايين اضطرابات حادة في النوم وضغط الدم والمزاج.

كل ذلك يُعيد تشكيل شخصية المراهق من الداخل، ويحوّل جسده إلى حقل معركة بين الحاجة والرفض.

🔹 صدمة الأهل... بين الخوف والإنكار

أغلب العائلات، حين تكتشف الحقيقة، تمرّ بمراحل صعبة: الإنكار، الغضب، ثم الخوف من الفضيحة.

لكن الأطباء يجمعون على أنّ ردّ الفعل الأول قد يقرّر مصير الابن بالكامل.

فالصراخ واللوم والتهديد لا تُجدي، لأن المدمن مريض، لا جانٍ.

يحتاج إلى حضنٍ لا إلى محكمة، وإلى علاجٍ لا إلى عقوبة.

🔹 المعركة تبدأ من البيت

يؤكد المختصون أنّ المعركة ضد الإدمان تبدأ من داخل البيت، عبر المراقبة الواعية والحوار الهادئ.

فالوقاية ليست في التهديد، بل في الإصغاء والتفهّم.

كما أنّ اللجوء المبكّر إلى المختصين يمكن أن ينقذ حياة شابّ قبل أن ينهار مستقبلُه.

تحليل بسيط للمخدرات قد يكون كفيلاً بإنقاذ روح، بينما الإهمال أو الخوف من “كلام الناس” قد يُفقد الأسرة أحد أبنائها إلى الأبد.

🔹 من الظلام إلى النور

- الإدمان ليس نهاية الطريق.

- قصص الناجين من التعاطي تثبت أن العودة ممكنة حين تتوفر الإرادة والدعم الأسري والعلاج المتخصّص.

ففي كل مراهق يعاني، هناك صرخة تبحث عن من يسمعها، وفي كل أسرة متيقظة فرصة لإنقاذ حياة.


الإدمان لا يبدأ من الشارع، بل من داخل البيت، من لحظة غياب الانتباه وسقوط الحوار.

والحماية لا تأتي من الخوف، بل من الوعي.

لأنّ السمّ الذي يتخفّى في ثياب المراهقة لا يرحم، ما لم يجد في وجهه أسرةً تُبصر بعين القلب قبل فوات الأوان.

آخر الأخبار

إفراج مقابل 50 مليون دينار: القضاء يفتح صفحة جديدة في ملف هنشير الشعال

إفراج مقابل 50 مليون دينار: القضاء يفتح صفحة جديدة في ملف هنشير الشعال

القمة العالمية للتنمية الاجتماعية بالدوحة..هل يمكن لمن ترعى السلام ان تخالف قرارات الأمم المتحدة؟

القمة العالمية للتنمية الاجتماعية بالدوحة..هل يمكن لمن ترعى السلام ان تخالف قرارات الأمم المتحدة؟

دربي العاصمة يشتعل قبل صافرة البداية... الترجي يردّ بعنف وتصريحات فهمي تشعل فتيل التوتر!

دربي العاصمة يشتعل قبل صافرة البداية... الترجي يردّ بعنف وتصريحات فهمي تشعل فتيل التوتر!

الإدمان في ثياب المراهقة... كيف يتسلّل السمّ إلى بيوت العائلات في صمت؟

الإدمان في ثياب المراهقة... كيف يتسلّل السمّ إلى بيوت العائلات في صمت؟

مجزرة في الأبيض... 40 قتيلًا في هجوم دموي وسط تصاعد المعارك بين الجيش والدعم السريع

مجزرة في الأبيض... 40 قتيلًا في هجوم دموي وسط تصاعد المعارك بين الجيش والدعم السريع

Please publish modules in offcanvas position.