تسلّط قصف الاحتلال الإسرائيلي على كنيسة القديس بورفيريوس، قبل أيام قليلة، الأضواء على المسيحيين المقيمين في غزة المحاصرة وتاريخ وجودهم في هذه المدينة. ووفقًا لهيئة Caritas Internationalis الأرثوذكسية، فقد فُقِدَ على الأقل 17 مسيحيًا في هذا القصف الإسرائيلي، بما فيهم أفراد من عائلة واحدة، نتيجة انهيار سقف كنيسة القديس بورفيريوس على المصلين داخلها.
تاريخ المسيحيين في غزة يمتد إلى العصور القديمة، حيث تُعتبر دولة فلسطين بشكل عام مهد المسيحية في العالم. إذ تشكل موقع العديد من أحداث العهدين القديم والجديد في الكتاب المقدس، بما في ذلك مكان ميلاد يسوع المسيح في بيت لحم. لذلك، يعتبر وجود مسيحيين في غزة أمرًا طبيعيًا نظرًا للتنوع الديني الذي يسود فلسطين.
مع تطور الإيمان المسيحي في غزة، يظهر تاريخًا فريدًا لهذه المنطقة. يُذكر أن منطقة قطاع غزة مُشَهَّر بها في العهد الجديد بإشارة إلى القديس فيلبس الرسول الذي قام بتعميد رجلًا من الحبشة في طريقه بين القدس وغزة. ومع مرور الزمن، بدأ انتشار المسيحية في المنطقة في القرن الخامس. وعندما تم تعيين القديس بورفيريوس أسقفًا لغزة، كان عدد المسيحيين في تلك الفترة قليلًا جدًا.
في نهاية الأمر، بدأ الانتقال الجماعي إلى المسيحية في غزة في القرن الخامس تحت رعاية الإمبراطورية البيزنطية. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهها المسيحيون في ذلك الوقت، تمكنوا من دمج الطقوس المحلية مع الطقوس المسيحية. في نهاية المطاف، ازدهرت المسيحية في غزة بشكل واسع نحو نهاية القرن السادس، حتى أصبحت جزءًا من الديانة الرئيسية في المنطقة. ومع مرور الزمن، اعتنق الكثيرون الإسلام بمعظم سكان المنطقة، ولكن ظل هناك أقلية مسيحية صغيرة في غزة.
خلال العصر الحديث، تعرض المسيحيون في غزة للتهجير والتحول إلى لاجئين بسبب الاحتلال الإسرائيلي، مما أجبرهم على ترك منازلهم والفرار إلى مناطق أخرى. وبدأت عمليات التهجير بعد النكبة في عام 1948، مما أدى إلى انخفاض عدد المسيحيين في غزة على مر العقود. ومع بداية الحصار الإسرائيلي على غزة في عام 2007، تضاعف الضغط على هذه الأقلية، واضطروا إلى مغادرة منازلهم.
يبلغ عدد المسيحيين الفلسطينيين في غزة اليوم حوالي 1000 شخص فقط، ويعيشون في عزلة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عقود. ومعظمهم يتبع الطائفة الأرثوذكسية اليونانية، مع وجود أقليات تتبع الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية. هؤلاء المسيحيين معزولون تمامًا عن المجتمعات المسيحية الأكبر في القدس والضفة الغربية، ويحتاجون إلى تصاريح سفر للمشاركة في المناسبات الدينية خارج غزة.
وبالرغم من التحديات والظروف الصعبة التي تواجههم، فإن معظم المسيحيين في غزة يرفضون الانصياع للاحتلال ويقررون البقاء في مكانهم. وهم يعملون على البقاء والمشاركة في حفظ الهوية المسيحية في غزة والمحافظة على تاريخها وإيمانهم.
على الرغم من التحديات التي يواجهونها، تظل الكنائس والأماكن المسيحية المقدسة في غزة جزءًا مهمًا من التراث الثقافي والديني للمسيحيين في هذه المنطقة، بما في ذلك كنيسة القديس بورفيريوس ودير تل أم عامر.