في عالم السياسة، قد يُكتب التاريخ بأقدام ثائرة أو أقلام حازمة، لكن في حالة عبد العزيز بوتفليقة، كُتب على كرسي متحرك. الرجل الذي وُلد في ظلال المنفى بمدينة وجدة المغربية، حمل في دمه إرثًا جزائريًا ثقيلًا، ليصبح الزعيم الذي صعد إلى قمة السلطة وحكم لأطول فترة في تاريخ الجزائر المستقلة، ولكن بقدرات جسدية محدودة، وقوة سياسية لا تُقهر.
اقرأ أيضا:
عبد المجيد تبون يفوز بالانتخابات الرئاسية الجزائرية بنسبة 94.65%
هواري بومدين: القائد الثوري الذي ارتقى بالجزائر إلى مصاف الدول الحديثة
لم يكن بوتفليقة مجرد سياسي، بل كان رمزًا للجزائر الحديثة، بشقيها المتحرر من الاستعمار والمُكبّل بأزمات ما بعد الاستقلال. ارتدى في شبابه لباس المقاتل، حيث انضم لصفوف جيش التحرير الجزائري، وشارك في بناء الدولة الفتية التي خرجت من رماد الثورة. من وزارة الشباب إلى وزارة الخارجية، رسم بوتفليقة لنفسه مسارًا صاعدًا في السياسة، حيث دافع عن حركات التحرر العالمية، ليُلقب بـ"مهندس الدبلوماسية الجزائرية."
لكن بوتفليقة الذي لمع اسمه تحت حكم بومدين، اختفى عن الأنظار بعد وفاة هذا الأخير. غادر الجزائر، ليعود بعد عقدين من الزمن، في لحظة كانت البلاد فيها غارقة في العشرية السوداء. عاد بوتفليقة محملاً بوعود المصالحة والنهضة، واستطاع، في أول انتخابات رئاسية له في 1999، أن يفوز بدعم شعبي قوي.
ما كان مثيرًا في قصة بوتفليقة، ليس فقط فترة حكمه الطويلة، بل قدرته على البقاء في السلطة رغم حالته الصحية المتدهورة. فقد رأى الجزائريون رئيسهم يدلي بصوته على كرسي متحرك، وظل بوتفليقة حاضرًا في المشهد، وإن غاب عنه جسديًا، بحكمه الذي امتد لأربع ولايات رئاسية، حتى عزله الحراك الشعبي في 2019.
يظل عبد العزيز بوتفليقة شخصية مثيرة للجدل؛ زعيمًا جمع بين المجد السياسي والدراما الشخصية، بين الزخم الوطني وأزمة الحكم، وبين آمال الشعب وتحديات السلطة. في تاريخ الجزائر، سيبقى بوتفليقة ذاك الرجل الذي حكم الجزائر بقبضة من حديد، حتى وإن كان جالسًا على كرسي متحرك.