اختر لغتك

معركة العودة بين حق البقاء وسياسة التهجير في غزة بعد الدمار

معركة العودة بين حق البقاء وسياسة التهجير في غزة بعد الدمار

حين تتوقف أصوات القذائف ويهدأ ضجيج الحرب تبدأ المرحلة الأكثر تعقيدا في أي صراع ألا وهي العودة إلى ما قبل الدمار أو على الأقل محاولة استعادة ما يمكن إنقاذه، غير أن في غزة هذه العودة ليست مجرد إعادة بناء للحجر، بل صراع وجودي ضد مشروع تهجيري طويل الامد بدأ منذ عقود وتفاقم بعد حرب استمرت أكثر من خمسة عشر شهرا وانتهت باتفاق وقف إطلاق نار يطرح من الأسئلة أكثر مما يقدم من الإجابات، فإلى أين يعود سكان غزة بعد أن تحولت مدنهم إلى أطلال؟ وهل الاتفاق الذي وقع في جانفي 2025 يشكل بوابة لعودة فعلية أم أنه مجرد هدنة تكرس واقعا جديدا؟

مقالات ذات صلة:

آثار الحرب في غزة: معاناة مستمرة تحت الأنقاض

الإمارات العربية المتحدة: دبلوماسية الإعمار ومساعدات إنسانية لدعم غزة

مجموعة السبع تؤكد دعمها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة: دعوات للتفاوض البناء وإعادة الإعمار

منذ اندلاع المواجهة في 7 أكتوبر 2023، بدا واضحا أن الصراع هذه المرة تجاوز كونه مجرد معركة عسكرية إلى كونه مشروعا لإعادة رسم الخارطة السكانية للقطاع، فبينما كانت الصواريخ تتساقط لم يكن الهدف العسكري وحده هو المقصود، بل كان هناك استهداف منهجي للبنية التحتية المدنية من المنازل، المدارس، المستشفيات، وشبكات المياه والكهرباء، وبمرور الوقت لم يعد التدمير مجرد نتيجة عرضية للحرب بل تحول إلى سياسة متعمدة تهدف إلى جعل غزة بيئة غير قابلة للحياة بحيث يصبح تهجير السكان أمرا واقعا لا نتيجة قرار سياسي بل كحتمية فرضها الواقع المعيشي المستحيل.

وما عزز هذه السياسة هو استهداف الأرشيفات العقارية وسجلات الأراضي في خطوة بدت وكأنها محاولة لطمس الأدلة القانونية التي تثبت ملكية الفلسطينيين لأراضيهم، ومع نزوح أكثر من مليوني فلسطيني لم يكن الأمر مجرد حالة إنسانية طارئة بل تحول إلى إعادة هندسة ديموغرافية تخرج سكان غزة من المعادلة السياسية والجغرافية أو على الأقل تجعل عودتهم أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.

ومن الناحية القانونية، ينص القانون الدولي بوضوح على تجريم التهجير القسري وفقا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل الجماعي أو الفردي للسكان في المناطق المحتلة، وكذلك أكدت الأمم المتحدة في قراراتها وأبرزها القرار 194 على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، ومع ذلك لم تكن لهذه النصوص أي فاعلية حين دخلت الحرب حيز التنفيذ إذ ظلت المحافل الدولية عاجزة عن فرض أي التزام قانوني على الكيان الصهيوني سواء بوقف عمليات التهجير أو بتمكين النازحين من العودة إلى منازلهم.

وفي ظل هذه المعادلة، أصبح الفلسطينيون عالقين بين نصوص قانونية تمنحهم الحق في العودة وواقع سياسي وعسكري يمنعهم من ممارسته، وبهذا لم تكن غزة مجرد ضحية لحرب تقليدية بل كانت نموذجا لمدى هشاشة النظام الدولي حين يتعلق الأمر بتطبيق القوانين على قوى تحظى بحماية دبلوماسية واسعة.

في جانفي 2025، وبعد أكثر من عام من القصف المتواصل دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد وساطة أمريكية، مصرية، وقطرية، وبموجبه التزم الاحتلال الغاشم بوقف جميع العمليات العسكرية، كما تعهدت الفصائل الفلسطينية بوقف إطلاق الصواريخ، كذلك نص الاتفاق على تبادل للأسر  حيث تم الإفراج عن 33 رهينة من المحتل مقابل إطلاق سراح 735 أسيرا فلسطينيا وهو ما اعتبر أحد أكثر البنود حساسية في الاتفاق خاصة أن بعض الأسرى الفلسطينيين كانوا محكومين بأحكام طويلة الأمد.

إلى جانب ذلك، تضمن الاتفاق تعهدا بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود بهدف التخفيف من حدة الكارثة الإنسانية التي يعاني منها القطاع، كما شمل الاتفاق ايضا بنودا تتعلق بإعادة الإعمار لكنه لم يحدد إطارا زمنيا واضحًا لذلك، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الالتزامات ستنفذ فعليا أم أنها ستبقى رهينة التوازنات السياسية والأمنية في المستقبل.

ورغم هذه البنود، فإن الاتفاق لم يتطرق بشكل واضح إلى مسألة عودة النازحين حيث ظل مصير مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم معلقا بين وعود دولية لا تملك آليات تنفيذ وواقع يفرض نفسه بقوة السلاح الأمر الذي يفتح الباب أمام مخاوف من أن يكون وقف إطلاق النار مجرد خطوة أولى لترسيخ واقع ديموغرافي جديد يجعل العودة شبه مستحيلة سواء من الناحية الأمنية أو من ناحية إعادة البناء.

بعد كل حرب، يكون التحدي الأكبر هو ما بعدها وإذا كان التاريخ قد أثبت أن الشعوب التي تتعرض للتهجير يمكن أن تعيد فرض وجودها رغم المحاولات المستمرة لإزاحتها، فإن الواقع في غزة يجعل هذا التحدي أكثر تعقيدا، فليست المشكلة فقط في حجم الدمار ولا في غياب الضمانات الدولية بل في الاستراتيجية التي تسعى إلى جعل الحياة داخل القطاع مستحيلة بحيث تصبح العودة خيارا غير منطقي حتى لأكثر الفلسطينيين تمسكا بأرضهم.

وبهذا، تصبح العودة إلى غزة ليست مجرد حق قانوني بل معركة ضد محاولات فرض النسيان على مدينة بأكملها، وورغم أن الواقع يبدو قاسيا فإن التجربة التاريخية أثبتت أن محاولات طمس الهويات لم تكن يوما ناجحة على المدى الطويل، فكما ظل الفلسطينيون متمسكين بحق العودة منذ 1948، فإن ما بعد 2025 لن يكون مختلفا ما دام هناك جيل جديد يدرك أن العودة ليست فقط استرجاعا للأرض بل إثباتا لوجود لا يمكن محوه مهما بدت المعادلة السياسية والعسكرية مختلة لصالح المحتل.

ختاما، إن ما يجري في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية بل هو اختبار حقيقي للعدالة الدولية ولمفهوم القانون في مواجهة القوة، وبينما يسعى البعض إلى فرض واقع جديد عبر التدمير والتهجير يظل سكان غزة أمام معركة مصيرية لا تتعلق فقط بإعادة بناء ما تهدم بل بضمان أن تكون هذه الحرب مجرد فصل آخر في تاريخ المقاومة وليس بداية لنهاية تكتب بإرادة من يملكون القوة العسكرية لا من يملكون الحق.

وهكذا، ستظل العودة معركة مفتوحة ليس فقط ضد الاحتلال ولكن ضد كل محاولات جعل التهجير أمرا طبيعيا وضد كل الأصوات التي تروج لفكرة أن بعض الحروب تنهي قضايا في حين أن الحقيقة التاريخية تقول إن الحروب لا تنهي إلا مرحلتها أما القضايا العادلة فإنها تبقى ما بقي أصحابها متمسكين بها.

آخر الأخبار

الممثل الياس الغزواني يشارك في المسلسل الاذاعي أبو الريش

الممثل الياس الغزواني يشارك في المسلسل الاذاعي أبو الريش

اغتيال سلوان موميكا في ستوكهولم.. رصاصات غامضة تنهي حياة مُدنّس المصحف!

اغتيال سلوان موميكا في ستوكهولم.. رصاصات غامضة تنهي حياة مُدنّس المصحف!

رسمياً: الجمعة 31 جانفي 2025 مفتتح شهر شعبان في تونس وسط ترقّب لاستقبال رمضان

رسمياً: الجمعة 31 جانفي 2025 مفتتح شهر شعبان في تونس وسط ترقّب لاستقبال رمضان

صدمة في الوسط الفني: سقوط مغني الراب الشهير سمارا في قبضة الأمن بتهمة المخدرات!

صدمة في الوسط الفني: سقوط مغني الراب الشهير سمارا في قبضة الأمن بتهمة المخدرات!

إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق يوسف الشاهد وعدد من الوزراء السابقين!

إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق يوسف الشاهد وعدد من الوزراء السابقين!

Please publish modules in offcanvas position.