دمشق – تقرير خاص
في منعطف غير متوقّع للصراع السوري الذي دخل عقده الثاني، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قنبلة سياسية من الرياض بإعلانه رفع العقوبات عن سوريا، بعد أقل من ستة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد وتولّي أحمد الشرع رئاسة انتقالية. قرارٌ وصفه الأخير بـ"التاريخي الشجاع"، فاتحًا الباب أمام "مرحلة تعافٍ وطني شاملة"، لكنه أيضًا يضع الشرع أمام اختبارات معقدة في الداخل والخارج، على رأسها ملف العلاقة مع إسرائيل، والمقاتلين الأجانب، وتنظيم داعش.
■ لقاء غير مسبوق... وأجندة محمّلة
عقب الإعلان، جمع لقاءٌ ثلاثي بين ترامب والشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف، في أول اجتماع رئاسي سوري-أمريكي منذ أكثر من 25 عامًا.
البيت الأبيض أعلن أن ترامب قدّم لائحة مطالب شاملة للشرع، أبرزها:
- الانضمام إلى اتفاقات أبراهام والتطبيع مع إسرائيل
- إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا
- التعاون في تفكيك بقايا تنظيم داعش
- ترحيل قادة الفصائل الفلسطينية المقيمين في دمشق
ورغم أن بعض هذه البنود، خاصة ملف "التطبيع"، تبدو بعيدة المنال في المدى القريب، إلا أن قرار رفع العقوبات يعكس – بحسب محللين – نية أمريكية واضحة لتغيير قواعد اللعبة في سوريا.
"إنها مجاملة استراتيجية من ترامب لا تكلّفه شيئًا، لكنها تعزز نفوذه في الشرق الأوسط"، يقول الباحث في مركز "سينتشري إنترناشونال"، آرون لوند. "سوريا المستقرة تعني انسحابًا أمريكيًا أكثر أمانًا، وتقليص نفوذ إيران، ودخول الخليج على خط إعادة الإعمار".
■ ما الذي تربحه سوريا؟
من جانبها، تأمل دمشق في أن يكون القرار بوابة لمرحلة استقرار اقتصادي وسياسي. فالعقوبات، خصوصًا "قانون قيصر"، كانت أحد أبرز العوائق أمام أي محاولة لإعادة الإعمار، وتسبّبت في انهيار الليرة السورية وتدمير الطبقة الوسطى.
رفع العقوبات، حتى لو جزئيًا، يفتح الطريق أمام:
- تحويل الأموال من الخارج
- استعادة التبادل التجاري
- إطلاق المشاريع الاستثمارية الخليجية
- خفض معدلات البطالة
- دعم إعادة الإعمار المقدّرة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار
وقد شهدت مدن سورية مثل حلب وطرطوس ودمشق مظاهر فرح واحتفال، إذ يأمل المواطنون بأن تنتهي سنوات العزلة والفقر والعتمة.
في أول خطاب له بعد العودة من الرياض، قال الشرع:
"لا نريد أن نكون ساحة صراع، بل منارة تعاون... القرار الأمريكي انتصار للإرادة السورية وخطوة نحو السلام".
■ عقبات أمام الشرع... والبيت الأبيض
لكن هذا "الربيع السياسي" لا يأتي دون ثمن. فالمطالب الأمريكية – وفقًا للخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية، ديلاني سايمون – تضع الشرع في موقع بالغ الحساسية، خصوصًا أن بعض البنود تمسّ مكونات أساسية في تحالفاته الداخلية والخارجية.
"ملف إخراج المقاتلين الأجانب، مثل مقاتلي حزب الله أو الفصائل العراقية، ليس قرارًا سوريًا محضًا. كما أن التطبيع مع إسرائيل لا يحظى بأي إجماع داخلي، حتى بعد سقوط الأسد"، توضح سايمون.
حتى على الجانب الأمريكي، لا يبدو أن الطريق سالكة. فرفع العقوبات بشكل نهائي يتطلب موافقة الكونغرس، وقد يواجه اعتراضات من الديمقراطيين أو الجمهوريين المعارضين لأي تقارب مع دمشق دون ضمانات صارمة تتعلق بحقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي.
■ الخلاصة: "صفقة" محفوفة بالمخاطر
الصفقة التي تحاول إدارة ترامب تسويقها قد تغيّر وجه سوريا والمنطقة، لكنها ليست بلا أثمان. فهي تضع أحمد الشرع أمام خيارين:
إما أن يتحوّل إلى رجل المرحلة الذي نجح في جذب الدعم الدولي وإعادة بناء وطنه،
أو أن يتحوّل إلى رهينة اتفاقات كبرى لا يتحكّم بتفاصيلها.
في انتظار الخطوات القادمة، يبقى السؤال:
هل تبدأ صفقة القرن من دمشق هذه المرة؟ أم أن لعنة الجغرافيا السورية ستبتلع فرصة جديدة؟