الأزمة بين الرئاسة التونسية وحركة النهضة لا تتجه نحو انفراج قريب.
تونس - تجاهلت حركة النهضة الإسلامية، الرد مباشرة على تصريحات الرئيس الباجي قائد السبسي التي اتهمها فيها بتهديده، واختارت خفض سقف موقفها السياسي في سياق حدود المساحة المُتاحة لها للخروج من مأزقها الذي تحول إلى هاجس بات يؤرق خياراتها في معركة مفتوحة لا تبدو بعناوينها المُتشابكة سياسيا وقانونيا، أنها تتجه نحو انفراج قريب.
وشددت في بيان حمل توقيع رئيسها راشد الغنوشي، وزعته الجمعة، في أعقاب اجتماع مكتبها التنفيذي، على “ضرورة الحفاظ على حيادية مؤسسات الجمهورية والنأي بها عن التجاذبات الحزبية والسياسية والانتخابية”.
كما جددت في هذا البيان “ثقتها في حرص رئيس الجمهورية على السهر على احترام الدستور، وضمان علوية القانون والتصدي لكل الممارسات التي من شأنها إقحام مؤسسات الدولة في التجاذبات”.
وعكس هذا الموقف الذي توقعته العديد من الأوساط السياسية، باعتباره لا يخرج عن سياق المناورة القائمة على “الانحناء أمام العاصفة”، ازدواجية الخطاب الذي برعت فيه حركة النهضة الإسلامية، لا سيما وأنه يأتي فيما لم يتوقف التصعيد الإعلامي لعدد من قادتها الذي بلغ ذروته قبل تصريحات الرئيس السبسي، وسط صراخ لا يخلو من التهديد والوعيد.
وبدا هذا التصعيد واضحا في تصريحات إذاعية للقيادي بالحركة محمد بن سالم، بُثت الجمعة، اتهم فيها الرئيس السبسي بإقحام المؤسستين الأمنية والعسكرية في التجاذبات السياسية، معتبرا أنه سيكون لذلك “تأثيرات خطيرة جدا على مستقبل البلاد”.
وبالتوازي، أعرب عضو مجلس الشورى، زهير الشهودي، المدير السابق لمكتب راشد الغنوشي، في تصريحات منسوبة له نُشرت الجمعة، عن استيائه مما وصفها بـ”حملة مسعورة” ضد حركة النهضة انخرط فيها الرئيس السبسي دون مراعاة رمزيته كرئيس جامع لكل الأطياف السياسية”.
واتهم الشهودي الرئيس السبسي بـ”التدخل الصارخ في شؤون القضاء”، وبـ”التشهير بحركة النهضة”، لافتا إلى أنه “كان أجدر بالرئيس السبسي أن ينأى بنفسه عن الدخول في ملفات تعهد بها القضاء لقول كلمة الفصل فيها”.
وقبل ذلك، لم يتردد القيادي في حركة النهضة، عبدالحميد الجلاصي في توجيه تهديدات واضحة، في تصريحات إذاعية قال فيها إن حركة النهضة تعطي انطباعا ظاهريا بأنها حركة عاقلة، لكنها في الحقيقة غير ذلك قائلا “نُريد تنبيه شركائنا أننا في حركة النهضة لسنا عاقلين، نحن عفاريت، ونعرف الشيطان أين يضع صغاره”.
ويرى مراقبون أن هذه المواقف المتضاربة إلى حد التناقض الحاد، ليست تعبيرات اقتضتها المُتغيرات السياسية، بقدر ما تعكس منهج عمل مُرتبط بخصائص المرحلة الراهنة، التي بدأت مفاعيلها تضغط على حركة النهضة التي أصبحت تتحسب من ارتداداتها التي باتت تُهددها بانفجارات داخلية، قد يعجز الغنوشي بمناوراته عن احتوائها.
وعلى وقع هذه التطورات التي مازالت تُربك حركة النهضة، وتحد من خياراتها في مواجهة الورطة التي دخلتها، اعتبر عبيد البريكي، المنسق العام لحركة تونس إلى الأمام، أن مثل هذا الخطاب المُتشنج لمسؤولي حركة النهضة يعكس حالة الارتباك والتخبط بعد تصريحات الرئيس السبسي.
وقال إنه من الواضح الآن بعد تصريحات الرئيس السبسي، أن مسألة التوافق تحولت إلى صراع مُعلن بين مؤسسة الرئاسة وحركة النهضة، وهو صراع خطير لأنه ارتبط بمسائل أمنية لا تخص الرئيس السبسي فقط، وإنما بكامل أمن تونس.
واعتبر أنه لا يمكن للرئيس السبسي أن يُصرّح علنا بتلك المُعطيات الأمنية الخطيرة التي قدمها بحرفية كبيرة، لو لم يكن مُتأكدا منها، وبالتالي الربط بين تهديده وملف الجهاز السري المثير للجدل لحركة النهضة.
وكان الرئيس السبسي، لم يتردد في كلمة افتتح بها الخميس، اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي التونسي، في اتهام حركة النهضة الإسلامية بتهديده، مؤكدا في نفس الوقت على أنه لن يسمح بذلك.
وجاء هذا الاتهام المباشر الذي يُرجح أن تكون له تداعيات سياسية وقانونية كبيرة، مرفوقا برسائل رسمت المساحة المتاحة أمام حركة النهضة للتحرك فيها، وجهها الرئيسي السبسي عندما قال “.. إذا خلا لك الجو فبيضِي وفرخي”، وذلك في استحضار لقصيدة “يا لك من قُبّرة بمعمر” للشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، التي قال فيها أيضا “… لا بد يوما أن تُصادي”.
وفيما حذر البريكي من أن الأزمة التي تعيشها البلاد، دخلت في منعرج خطير، تنظر الأوساط السياسية في البلاد إلى أن سياسة “الانحناء أمام العاصفة” التي تُمارسها حركة النهضة الإسلامية، باتت مكشوفة للجميع، ولم تعد تنطلي على أحد، وأن اللجوء إليها هذه المرة جاء في الوقت الضائع.
الجمعي قاسمي
صحافي تونسي