الفشل في إقناع الغنوشي بالتغيير غذّى واقع الخلافات والانشقاق.
لم تستبعد قيادات مستقيلة من حركة النهضة، واجهة الإسلاميين في تونس، تأسيس حزب جديد بأفكار ورؤى مختلفة، بعد فشلها في إقناع القيادة الحالية للنهضة برئاسة راشد الغنوشي بتغيير توجهات الحركة وفقا لانتظارات التونسيين.
تونس – لوّح المستقيلون من حركة النهضة الإسلامية بإمكانية ولادة حزب سياسي جديد في تونس، وتكوين جبهة مغايرة، بعد الفشل في إصلاح الحركة من الداخل والإقرار بتحمل قيادتها مسؤولية عزلتها في المشهد.
وأفادت القيادية المستقيلة من الحركة رباب بن لطيف أن “كل شيء وارد، وليس لدينا الآن برنامج جاهز وواضح بخصوص تأسيس حزب جديد”.
وقالت “استقلنا من النهضة وفكرة تأسيس حراك سياسي جديد ممكنة”.
ووقع 113 قياديا وأعضاء من النهضة السبت على بيان استقالاتهم من الحزب، مشددين على أن السبب المباشر في الاستقالة الجماعية اعترافهم بالفشل في إصلاح الحزب من الداخل والإقرار بتحمل القيادة الحالية المسؤولية الكاملة في ما وصلت إليه الحركة من عزلة في الساحة الوطنية.
ومن بين موقّعي بيان الاستقالة قيادات من الصف الأول على غرار عبداللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم، وعدد من أعضاء مجلس النواب المعلقة اختصاصاته على غرار جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب بن لطيف ونسيبة بن علي، وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي على غرار آمال عزوز، وعدد من أعضاء مجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.
وقال المستقيلون من الحركة في بيان إن “الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة حركة النهضة” أدت إلى عزلتها وعدم نجاحها في الانخراط الفاعل في أي جبهة مشتركة لمقاومة الخطر الاستبدادي الداهم الذي تمثله قرارات الثاني والعشرين من سبتمبر 2021.
وأكد القيادي المستقيل سمير ديلو في تصريحات صحافية أن “هناك تحيينا متواصلا للقائمة، ولكننا لا نسعى للتحشيد الواسع ولا للتحريض على الاستقالة، الشأن النهضوي الداخلي يهم من بقوا فيها”.
وحول تأسيس حزب جديد، قال ديلو “لسنا في سياق أو وارد ديناميكية تأسيس بمن غادروا، فما جمعنا هو مساعي إصلاح ثم خطوة الاستقالة، ما سيتلو ذلك رهين بالنقاشات الجارية بين هؤلاء وغيرهم ولن يكون، في كل الأحوال، مكمّلا لحركة النهضة ولا إعادة لتجربتها ولا استنساخا ولا منافسة معها”.
ويرى مراقبون أن الحزب السياسي الجديد للمستقيلين من الحركة سيبقى في مدار التيارات الإسلامية، وسيكون حزبا احتياطيا للنهضة.
وأفاد المحلل السياسي منذر ثابت أنه “يمكن تكوين حزب جديد، خارج ألوان الحركة الإسلامية، ويمكن أن يكون موضوعا في اتجاه إعادة انتشار أو بمثابة قارب نجاة”.
وأضاف “يمكن أن يكون انشقاقا حقيقيا، وفي كل الحالات الأحزاب الإسلامية تلتقي في النهاية، والحزب الجديد سيبقى في مدار التيارات الإسلامية”.
وتابع ثابت “كان من المفروض أن يتم الانشقاق وتقديم الاستقالات قبل الخامس والعشرين من يوليو، كل من ينقلب وينشق بعد حدث نوعي أو جذري لا يمكن أن يعتدّ بموقفه”، مضيفا “الخلافات السابقة بين قيادات النهضة والغنوشي هي تناقضات هامشية، وأي استهداف للحركة سينقلب هؤلاء”.
واستطرد “الحزب الجديد سيكون مجرد احتياطي لحركة النهضة”.
وتتعزز فرص تأسيس حزب جديد بعد فشل القيادات في إقناع الغنوشي بضرورة الإصلاح داخل الحركة، مع تكريس مبدأ التداول السلمي على القيادة وضخ دماء شبابية جديدة بنظرة استشرافية وبرامج جديدة تتلاءم وطبيعة المجتمع التونسي.
وقال أحمد النفاتي عضو النهضة المستقيل إن قائمة المستقيلين من الحزب قد أقدمت على خطوتها بعد أن استنفدت كافة السبل لإحداث حركة تغيير جذرية وواضحة في حركة النهضة.
وأكد أن القيادات الحالية قد فرضت على الحزب نوعا من العزلة السياسية بسبب العديد من الأخطاء التي ارتكبتها على مدى مشاركتها في الحكومات والتحالفات الحزبية منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وأعلن محمد القوماني استقالته من رئاسة لجنة إدارة الأزمة السياسية والتي كلف بها مباشرة بعد إعلان قرارات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
وأكدت النهضة أن القوماني استعفى من رئاسة لجنة إدارة الأزمة السياسية بناء على ما اعتبره نزوع الرئيس سعيد نحو حكم فردي مطلق، وما يقود إليه هذا التوجه من غلق لأبواب الحوار مع جميع المخالفين له.
وأوضحت الحركة أن القوماني سيواصل الاضطلاع بمهامه بالمكتب التنفيذي كمسؤول لمكتب العلاقة بمنظمات المجتمع المدني.
ولم تكن هذه أول استقالة تشهدها حركة النهضة ولكنها مختلفة عما سبقها، نظرا للعدد الكبير للمستقيلين وثقل القيادات المستقيلة وشعبيتها ومدى تأثيرها على قواعد الحركة، وهي خطوة قد تنال من بنية الحركة وتفككها وتنهيها، وتطرح تساؤلات بشأن قدرة حزب النهضة على الصمود أكثر وعلى الاستمرار في المشهد السياسي بتونس.
وسبق أن نشر مئة قيادي في الحزب رسالتين تطالبان بإجراء إصلاحات ديمقراطية داخل الحركة وعدم ترشيح الغنوشي لولاية جديدة على رأس الحزب.
وشهد الحزب موجة سابقة من الاستقالات شملت الأمين العام السابق زياد العذاري ورجل التنظيم البارز عبدالحميد الجلاصي، فيما اعتزل الاسم الثاني في الحركة عبدالفتاح مورو العمل السياسي بعد خوضه السباق الرئاسي في 2019، وسبقهم حمادي الجبالي رئيس أول حكومة بعد 2011.
ولم يتضح حد اللحظة ما إذا كانت الحركة ستلتزم بتنظيم مؤتمرها الحادي عشر نهاية العام الجاري في ظل الانقسامات الحالية والدعوات لتنحي الغنوشي من منصب الرئاسة والدفع بقيادات الجيل الثاني إلى مراكز القرار.
والخلافات داخل حركة النهضة ليست وليدة اللحظة، بل خرجت إلى العلن منذ حوالي عامين، وظهر انقسام بين قياداتها إلى تيار معارض لبقاء الغنوشي على رأس الحركة وآخر معارض لذلك، لكنها تصاعدت بعد قرارات الرئيس سعيد بتجميد اختصاصات البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وتوليه السلطة التنفيذية، ثم إعلانه تعليق العمل بأبواب كاملة من الدستور وتجميعه كافة السلطات.
خالد هدوي
صحافي تونسي