يشهد حزب نداء تونس، الذي يقود حكومة الوحدة الوطنية بتونس، أزمة داخلية خانقة لم تنقطع منذ فوزه في انتخابات سنة 2014 ومُغادرة مُؤسّسه الباجي قائد السبسي لتولي منصب رئاسة الجمهورية.
ورغم انقسامه ومضيّ أمينه العام السابق، مُحسن مرزوق، في تأسيس حزب جديد، وهو حركة مشروع تونس، لم يعرف الحزب هدوءا، حيث تواصلت الحروب داخله.
وشهد الحزب، في الأسبوع الماضي، ارتفاعا لوتيرة التّجاذب الدّاخلي بعد مُطالبة عدد من نواب كتلته البرلمانية بتغيير رئيسها لاتهامه بخدمة مصالح لوبيات الفساد، فيما نظّم نجل السبسي اجتماعا بضاحية قمرت، الأحد، ترأسه ونصّب فيه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، رئيسا للهيئة السياسية للحزب، في ظل غياب عدد هام من أعضائها المُؤسّسين.
اتهامات بالهيمنة
واتّهم القيادي في الحركة رضا بلحاج؛ المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي، بالسعي للهيمنة على مفاصل الدولة من خلال القيام بتعيين الأشخاص الموالين له في مناصب عدة، وقال إأن حافظ السبسي يريد أيضا السيطرة على الحزب.
وأكد بلحاج رفضه لما تم الاتفاق عليه في اجتماع بعض قيادات الحركة الأحد، وأضاف في تصريح لإذاعة إكسبرس، الاثنين، أن حافظ قائد السبسي كان السبب الرئيس لجميع الصراعات الأزمات التي عاشها ويعيشها الحزب في السنوات الأخيرة، وفق قوله.
وعبّر بلحاج عن استغرابه من قبول يوسف الشاهد حضور الاجتماع، قائلا: ' كان عليه أن ينأى بنفسه عن صراعات الحزب، وأن يهتم بشؤون الدولة في هذا الوضع الصعب''، ولم يستبعد إمكانية تفسير مشاركته بخوفه من أن يلقى نفس مصير رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.
وبيّن بلحاج أن ثلثي أعضاء الهيئة السياسية دعت إلى اجتماع، الثلاثاء، للنظر في المشاكل الداخلية التي يعيشها الحزب، مشيرا إلى أنّه تمت أيضا دعوة حافظ السبسي إلى الاجتماع.
محاولة انقلابية
من جهته، قال عضو الهيئة السياسية في حزب نداء تونس، فوزي اللومي، في تصريح لإذاعة كاب إف إم، الاثنين، إن اجتماع قمرت وإدخال رئيس الحكومة في الهيئة السياسية للحزب؛ هو محاولة انقلابية على قيادات الحزب، محذرا من خطورة إقحام أعضاء من الحكومة في صراعات وتجاذبات النداء، وما لذلك من انعكاس سلبي على أوضاع البلاد، وفق تعبيره.
ورأى أن حضور الشاهد اجتماع الكتلة البرلمانية لحركة نداء تونس لانتخاب رئيس ومكتب جديد للكتلة وتوزيع النواب على اللجان؛ مردّه الخوف على منصبه، مضيفا أنه لو كان رفض الحضور لكان مصيره مثل مصير الصيد الذي سُحبت منه الثقة لعدم امتثاله للأوامر والقرارات، وفق قوله.
تصدير الأزمة إلى الحكومة
وقال القيادي بحركة نداء تونس، بوجمعة الرميلي، إن اجتماع القيادات الرافضة لاقتراح تعيين يوسف الشاهد كرئيس للهيئة السياسية لنداء تونس؛ سيسفر عن تسجيل الموقف الرافض لهذا الاقتراح، وعرض خارطة الطريق التي اقترحها عدد من مؤسسي الحزب لإنقاذه بعد الأزمة التي عاشها.
وأكد الرميلي في تصريح لـصحيفة الشارع المغاربي، الاثنين، أن صيغة اجتماع ضاحية قمرت "خاطئة وخطيرة جدا"، وفق تعبيره، مضيفا أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد مثقل بعديد المسؤوليات في الدولة وأنه "من غير المعقول تصدير أزمة الحزب إلى الحكومة والدولة"، حسب قوله.
وأضاف:" على الشاهد الاهتمام بدواليب الحكومة.. أما الحزب فله قياداته ومؤسسوه".
تأمين لحظوظ نجل الرّئيس
وفي تحليل للأوضاع داخل نداء تونس، قال المحلل السياسي علي اللافي، إنه من الواضح أن تعيين الشاهد، وإن كان بهدف البحث عن شخصية تعوض الصيد وترضى بدور الوزير الأول، إلى جانب إنهاء تميّز الأمين العام الأسبق ورئيس حزب مشروع تونس محسن مرزوق من خلال قوة علاقاته الخارجية وعامل السن، فإن الحقيقة أن تعيين الشاهد كرئيس الحكومة ثم كصاحب المنصب الأول في الحزب يهدف لترك حافظ قائد السبسي في الملعب السياسي مستقبلا، ولو وراء الشاهد، وفق تقديره.
وأضاف اللافي أن نجل السبسي ضمن وضعا مريحا أيا كانت التطورات في الحزب وفي البلد، مُشيرا إلى النداء لن يتجاوز أزمته رغم أن مجموعة حافظ قائد السبسي مارست تكتيكات متنوعة لإضعاف حظوظ التيارات الأخرى، أي جناح رضا بلحاج، وجنا فوزي اللومي، وجناح وزير التربية ناجي جلول الذي يُمكن القول إنه تشكل الأحد، "وهو الذي أصبح في وضع لا يحسد عليه باعتباره او طموح كبير دفع من أجله أثمانا وصلت إلى حد تصريحه أنه سيبقى مع الباجي وابنه ولو لوحده معهما، وهاهو يكشف عن وجه جديد عبر تهديده بالاستقالة، على خلفية تعيين الشاهد رئيسا للهيئة السياسية"، وفق تعبيره.
وأكّد اللافي أن كل التيارات داخل نداء تونس تستقوي بالدولة، إلا أن شق حافظ قائد السبسي حجم أدوار البقية نتاج ضعفهم التكتيكي وطبيعة انصار النداء والمؤثرين فيه.
وتابع: "الإدارة والدولة ستستعصي على شقوق (أجنحة) النّداء خلال المرحلة المقبلة، كنتيجة لقوة حزبي النهضة وآفاق تونس، بالإضافة إلى قوة المجتمع المدني التونسي والمنظمات الثلاث (الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين). أما عمل الحكومة فستكون نسبة تأثره بما يقع في النداء حسب التطورات، حيث قد يكون التأثير بسيطا، كما من الممكن أن يؤدي في النهاية لإسقاطها حسب التطورات الإقليمية ووفقا لتفاعل الأحزاب المشاركة في الحكومة واتحاد الشغل".
يُذكر أن مجموعة من أهم قيادات حزب نداء تونس؛ قد دعت الى عقد اجتماع للهيئة السياسية بجميع أعضائها، الثلاثاء، للنظر في ثلاث نقاط، وهي تعديل النظام الداخلي، وإلغاء منصبي المدير التنفيذي والممثل القانوني، وإعادة توزيع المسؤوليات داخل الهيئة، مما يعني ضمنيا دعوة الى تجريد حافظ قائد السبسي من مهامه الحالية في قيادة الحزب.