يعاني الكثير من الأطفال في العالم من عادة مصِّ الإبهام، وهي عادة سيئة تتسبب بالعديد من الإصابات المرضية النفسية والالتهابات العضوية وتشويه الأسنان لعدد كبير منهم. وفي كثير من الدراسات، التي ركزت في بحوثها لمعرفة أسباب الظاهرة، التي تبدأ في مرحلة مبكرة من عمر الطفل، ويبدأ بتركها تدريجيا بين 5 – 6 سنوات من عمره؛ ولكن في البعض من الحالات تستمر هذه العادة إلى مرحلة المراهقة، والشباب وقد تتطور إلى أن يضع الشاب، الذي كان في طفولته معتاداً على مصّ أصبع واحد إلى وضع مجموعة أصابع كفه في فمه عندما تتأزم حالته النفسية أو يجد أنَّه غير مراقب من الآخرين.
وجدت دراسة أميركية وضعها طبيب الأطفال الأميركي الدكتور جيم سيرز، متخصص في تطور نمو السلوكي لدى الطفل أن بين 70 و90 بالمئة من الأطفال حتى سن الـ6 شهور يمارسون عادة مص إصبع الابهام. وأنَّ من بين كل 1000 طفل وليد يوجد بين 50 و100 طفل يزاولونها حتى سن الرابعة من أعمارهم.
وأكد أنَّ 3 بالمئة من هؤلاء الأطفال تستمر لديهم هذه العادة، وقد تم تصويرهم داخل أرحام أمهاتهم، وهم يزاولون هذه العادة في شهرهم الثامن. وتستمر نسبة 5 بالمئة منهم إلى مراحل متقدمة من العمر.
وسماها الدكتور بيكر سميث من جامعة كاليفورنيا بمتلازمة “مصّ الإبهام” التي شخّصت كجزء من دراسات البيدولوجيا ـــ دراسة سلوك الطفل ـــ ونموّه النفسي والبدني.
وعزت طبيبة الأطفال الفرنسية جيسلان ديان لامبرونز، في دراسة نشرتها في موقع نشرة الطفل، الحالة إلى عوامل وراثية جينية، وأخرى نفسية يحاول فيها الطفل استعادة الدفء والحنان، الذي يفقده عند خروجه من الرحم.
وتعرّضت هذه النظرية النفسية للعديد من الانتقادات خصوصاً أنَّ البعض من الأطفال يمارسونها، وهم داخل أرحام أمهاتهم كما تشير صور السكانر لعدة حالات من الحمل.
وتؤرق هذه العادة الآباء والأمهات كثيرا، وأوضح الخبير التربوي الألماني أولريش غيرت أن الطفل غالبا ما يلجأ إلى هذه العادة بحثا عن الهدوء والاسترخاء ولحماية نفسه من المثيرات الخارجية المزعجة. وأضاف أنه لا توجد قاعدة عامة بالنسبة للمرحلة العمرية التي تظل خلالها عادة مص الإبهام أمرا طبيعيا، موضحا أن أطباء الأسنان والمعالجين النفسيين يختلفون في تقييم هذا الأمر، إذ يعتبرها أطباء الأسنان عادة غير صحية بالنسبة للأسنان وعملية إطباق الفكين لدى الطفل، بينما يعتقد المعالجون النفسيون أن هذه العادة لا تمثل أي مشكلة خلال الأعوام الأولى من عمر الطفل.
وحذر غيرت الأهل من استخدام العنف في محاولتهم لتخليص الطفل من هذه العادة الذميمة، إذ أن العنف لن يُجدي نفعاً مع الطفل.
وأكد الخبير التربوي أنه من الأفضل أن يحاول الأبوان الوصول إلى سبب اتباع الطفل لهذه العادة من الأساس، فإذا تبيّن للأهل أن الطفل يتبع هذا السلوك نتيجة شعوره بالإعياء مثلا، فينبغي عليهم حينئذ إدخاله إلى الفراش كي يحصل على قسط من الراحة.
وإذا اتضح للأبوين أن الطفل يمص إصبعه بحثاً عن العطف والحنان، فلا بد أن يوفرا له ذلك باحتضانه مثلا. وبالنسبة للطفل الأكبر سنا، شدّد غيرت على ضرورة أن يناقش الأهل هذا الأمر معه بشكل واضح، بحيث يتم الاتفاق مثلا على السماح له بالقيام بهذه العادة خلال فترة الخلود إلى النوم فقط.
وتابع الخبير أنه إذا كان الطفل هو الوحيد الذي يُعاني من هذه العادة بين أقرانه في روضة الأطفال وواجه سخرية نتيجة ذلك، فينبغي على الأهل حينئذ اتخاذ إجراء لمواجهة ذلك، إذ توجد العديد من الوسائل التي تساعد في إقلاع الطفل عن هذه العادة كوضع الخردل أو أي سوائل مرّة على إصبع الإبهام لديه.
وعن تجربتها تقول أم حسين (25 سنة) ربة بيت “أنَّ إبنها حسين، البالغ من العمر سنتين ونصف، يمارس هذه العادة منذ ولادته، وقد عرضته للعديد من الأمراض منها التهاب اللوزتين المزمن؛ والتهابات الشفتين، واللثة، وبروز في الأسنان”.
وتضيف أم حسين “أنَّها قامت بالعديد من المحاولات لمنعه من هذه العادة بتعويضه بالسكاتة الصناعية، وبالبديل البلاستيكي الذي تبيعه الصيدليات، وكذلك عملت له وصفات شعبية لتنفيره من هذه العادة بأن وضعت على أصبعه مرارة سمك، لتصده عن مصّ أصبعه؛ ولكن بلا فائدة؛ فحالما تغسل كفه من المرارة يعود إلى مصّ أصبعه من جديد”.
محمد البهادلي (35 سنة) سائق تاكسي في بغداد حالما سمع أحد الآباء يحكون عن متلازمة مصّ الإبهام عند طفله حتى ضحك، وقال “ابني كرار، 3 سنوات، جعل العائلة كلها تبذل الجهود الكثيرة لثنيه عن هذه العادة، وقد اضطررنا إلى وضع قفازات في كفيه، وربطها بطريقة لا يستطيع التخلص منها؛ لكنه يبدأ بالصراخ الشديد، ويتحول حاله من حال إلى حال سيئة، حتى يصل لون وجهه للزرقة بسبب البكاء الشديد. فنصحنا الطبيب إلى تركه وشأنه، ومحاولة التوضيح له أن هذه العادة سيئة، والحديث معه بهدوء، ومن دون قسره على تركها بالقوة”.
ويضيف البهادلي “وتركناه يفعل ما يريد مع منحه الحنان، وتعويضه الدفء العائلي، الذي فقده بسبب طلاق أبيه وأمه ونأمل أن يترك هذه العادة حين يبلغ سن الدخول إلى المدرسة”.
ويشير طبيب الأسنان هاني مراد يعقوب في بغداد إلى أن “مصُّ الإبهام في فترة من عمر الطفل تعرضه إلى مخاطر التلعثم في الكلام بالمستقبل، ودفع اللسان إلى خارج الفم عند النطق، وصعوبة نطق البعض من الحروف كالدال والطاء والتاء والظاء. ويصاب البعض منهم بالتهابات مزمنة في اللوزتين واللثة.
ويضيف يعقوب “على الأهل تقع مسؤولية الاهتمام بنظافة كفي الطفل بشكل مستمر، وكذلك التوضيح له بقدر الإمكان إنَّها عادة قبيحة ومؤذية، ولكن دون الاعتماد على معاقبته أو حرمانه من الحنان المطلوب أو نبذه بسبب هذه العادة”.
ومن جانبه قال اختصاصيّ علم نفس الطفل والمراهق الدكتور عبدالكريم عطا أنَّ عادة وضع الإبهام في الفم يجتمع فيها الإنسان مع الحيوانات العليا كالقرود، وهي وسيلة الكائن العاقل لتعويض حنان الأم، وصدرها الدافىء.
وأضاف موضحا “في الكثير من الحالات التي عالجتها كانت لازمة متوفرة في كل الحالات أنَّ الأم غير متفرغة كليا للطفل، وخصوصاً في مرحلة فترة الرضاعة من صدرها. كأن تكون الأم موظفة، وتترك طفلها في الحضانة أو لدى الأقرباء، لذلك يحاول الطفل تعويض حنان أمه باختراع وسيلته، الذاتية”.
وتابع “قد وجدنا أنَّ هذه الحالة توجد لدى الأطفال الذكور أكثر من الإناث، ومرد ذلك يعود إلى أنَّ الطفل الذكر في مجتمعاتنا الشرقية يجد من الحنان، والاهتمام أكثر من الطفلة الأثنى، مما يجعله في حالة ضياع حين لا يحصل على الحنان الذي اعتاد عليه”.
كما أضاف عطا أن التوصية باستخدام الإبهام البلاستيكي الذي يربط بالكف من العلاجات الأساسية، ومحاولة تنفير الطفل من هذه العادة، وذلك بالتعامل معه وفق مبدأ المكافأة، بإغداق الحنان عليه، وملء وقته بما يلهيه عنها بمختلف النشاطات والألعاب، وجمعه بأطفال بعمره لا يعانون من هذه العادة ليلهو معهم، ويكتسب منهم عادات تعوضه.
ونبه إلى ترك الطفل نائماً وعدم إزعاجه بسحب إبهامه من فمه عند النوم، مع الحرص على تنظيف كفيه قبل النوم، مشيرا إلى أن الكثير من الحالات التي مرت عليه تركتْ هذه العادة في سن الرابعة أو الخامسة من العمر، وأقصى عمر يترك فيها الطفل الطبيعي هذه العادة هي في سنته السادسة.