تفتتح دبي نهاية الشهر الجاري دار الأوبرا التي تشكل رهانها على حجز مكانها على الخريطة العالمية ثقافيا وموسيقا
تفتتح إمارة دبي نهاية هذا الشهر دار الأوبرا التي تشكل رهانها على حجز مكانها على الخريطة العالمية ثقافيا وموسيقيا، وتطوير مجال لم ينل الاهتمام الكافي في مدينة عرفت نموا هائلا خلال العقود الماضية. ودار الأوبرا التي تفتتح في 31 آب/اغسطس مع التينور الاسباني بلاسيدو دومينغو، تتسع لزهاء 2000 شخص وتوفر مكان عرض لأنماط فنية مختلفة، ويأمل المسؤولون عنها أن تساهم بتطوير انتاج محلي.
ويقول رئيس مجلس ادارة الأوبرا جاسبر هوب "إنه وقت مثير لنقول: أنظروا إلى كل ما هو موجود في دبي الآن سنجعلها أفضل". وأضاف "أحد المجالات الذي كان مفقودا بالنسبة إلى الكثير من الناس هو مكان يمكنهم فيه أن يختبروا الموسيقى الحية الرائعة"، مضيفا "عندما يكون لديك مطار، مرفأ، فنادق، وكل البنية التحتية الأخرى موجودة، عندما يكون لديك اقتصاد نابض، سياح بأعداد كبيرة عندها يكون الوقت مثاليا" لإطلاق مشروع كهذا.
وباتت دبي خلال الأعوام الماضية وجهة سياحية بامتياز. وخلال 2015، استقبلت أكثر من 14,2 مليون سائح، قدمت غالبيتهم عبر مطارها الدولي، الأول عالميا لجهة عدد المسافرين الأجانب. ويترافق الاقبال على دبي مع تطور واسع حولها من امارة صحراوية إلى مثال عمراني متطور، من خلال ناطحات سحاب أبرزها برج خليفة الأعلى عالميا، وبنية تحتية متقدمة. وتشهد الامارة تنفيذ المزيد من المشاريع الترفيهية والفنادق لجذب أعداد إضافية من السياح.
إلا أنه في خضم هذا التطوير، بقي الاستثمار الثقافي، لا سيما في العروض الموسيقية والفنون التمثيلية، محدودا. ورغم الجهود في الأعوام الماضية لزيادة المواعيد الثقافية السنوية كمهرجان "آرت دبي" أو مهرجان دبي السينمائي، ظلت المدينة تفتقد لمكان عرض دائم يوازي ما هو موجود في مدن عالمية كلندن أو نيويورك، أو حتى خليجية مثل مسقط التي افتتحت دارا للأوبرا في العام 2007.
إلا أن هذا الأمر بدأ بالتبدل، بحسب الرئيسية التنفيذية لمركز الفنون الموسيقية التعليمي في دبي تاله بدري. وتقول بدري، إن دبي "بدأت تعي الآن ما هو المطلوب لتكون على المستوى الموازي لمدن أخرى كبيرة ودينامية في العالم". وتوضح "الناس يدركون انه إذا أتيت إلى مدينة ما، قد ترغب في الذهاب إلى المسرح أو الاستماع للأوركسترا أو مشاهدة الباليه".
وترى بدري أن دبي ترغب في أن "تكون واحدة من أبرز المدن في العالم"، ولذلك "عليها أن توفر الأمور نفسها التي يمكن أن يحصل عليها من يذهب إلى لندن أو نيويورك أو باريس أو هونغ كونغ"، معتبرة أن "أوبرا دبي هي المشروع الأكبر الذي سيضع دبي على الخريطة في هذا المجال".
عروض وباليه وموسيقى
مبنى أوبرا دبي الذي صممه يانوس روستوك، مستوحى من المراكب الشراعية الخشبية ("الداو") التي تشتهر في الخليج وخور دبي. والمبنى ذو الواجهة الزجاجية، يقع وسط دبي قرب برج خليفة. وتتألف الأوبرا من قاعة رئيسية تتسع لزهاء 2000 مقعد، ويمكن "تعديلها" بحسب العروض: من مسرح إلى صالة عرض، ومنها إلى "أرض مسطحة" لإقامة مناسبات مختلفة فيها. وتتيح هذه "المرونة" للأوبرا استضافة الباليه والاوركسترا والحفلات الموسيقية والمعارض، وحتى عروض الأزياء وحفلات الزفاف، بحسب موقعها الالكتروني.
وسيكون المبنى الذي سيعلو سطحه مطعم، محور منطقة ستعرف باسم "منطقة دار الأوبرا"، تضم فنادق فخمة وشققا سكنية. وتقول شركة "إعمار" العقارية مطورة المشروع، أن المنطقة ستكون عبارة عن "مركز ثقافي نابض ووجهة مهمة لاستضافة الفعاليات في وسط مدينة دبي، وتهدف لاحتضان الفنانين المحليين وتعزيز التبادل الثقافي العالمي".
وبعد الافتتاح مع دومينغو، يضم برنامج الأشهر اللاحقة محطات منها أوبرا جورج بيزيه "ذا بيرل فيشيرز" "صائدو اللؤلؤ"، و"ذا باربر اوف سيفيا" "حلاق اشبيلية" لروسيني، وعرضا باليه "كوبيليا" و"جيزيل". كذلك تستضيف التينور الاسباني خوسيه كاريراس، وعرض "ويست سايد ستوري" "قصة الحي الغربي"، وأمسية للمغني حسين الجسمي.
ليست مجرد مكان للعرض
ويقول هوب الذي شغل سابقا منصب رئيس العمليات في قاعة "رويال البرت هول" العريقة في لندن، إن البرنامج المنوع "يعكس الطبيعة المتنوعة للسكان هنا"، والذين يشكل الأجانب غالبيتهم. وفي حين لا يزال حضور الأوبرا محدودا في العالم العربي، يأمل هوب أن تساهم دبي في "إلهام" الانتاجات الموسيقية المحلية.
ويقول إن المشروع سيكون بداية مجرد صالة عرض، آملا أن يصبح "جزءا من المدينة خلال تطورها مدى عقود"، وألا تقتصر علاقة الأوبرا مع الناس على "شراء تذكرة والقدوم لمشاهدة عرض". ويضيف "ثمة عدد محدود فقط من مشاريع التعليم الموسيقي والرقص والمسرح حاليا. آمل بصدق أن نتمكن من التشجيع على المزيد منها من خلال ما نقوم به".
إلا أن بدري تبدو أقل تفاؤلا، وتقول "دار الأوبرا فكرة عظيمة، لكن إذا أردت ملأها، عليك أن تؤهل السكان لفهمها"، معتبرة أنها "ستكون حاليا صالة عرض بدلا من هيكل متكامل لما يجب أن تكون عليه دار الأوبرا. لن تكون لديها أوركسترا مقيمة، لن يكون لديها انتاج خاص أو مجموعة مسرحية أو مدرسة موسيقية مرتبطة بها". وتضيف "نحتاج إلى عشرة أعوام إضافية لنصل إلى حيث يجب أن نكون. لكن على الأقل الأمور تتقدم".