تأخرت أوروبا كثيرا في التحرك لمواجهة الرجل المريض بالإرهاب القابع في قلب القارة العجوز يوزع تهديداته يمينا ويسارا ويدعم الجماعات الإرهابية علنا ويقيم لها معسكرات التدريب ويطلقها باتجاه دول الشرق الأوسط، ثم يستقبل موجات النازحين العرب في مخيمات اللاجئين، ليستخدمهم كورقة ابتزاز وتهديد ضد الدول الأوربية مجددا.
تأخرت أوروبا في إدراك مخاطر التعاون مع التنظيم الدولي للإخوان، ومع شخصية متطرفة بطبعها مثل أردوغان، وبينما كانت تراهن على نجاحه في تنفيذ المخطط الأمريكي «أوباما - هيلاري» لتقويض الشرق الأوسط، دون خسائر، مقابل احتوائه بعد ذلك بورقة عضوية الاتحاد الأوروبي، جلب إليها أردوغان والمخطط الأمريكي الإرهاب واللاجئين إلى قلب باريس ولندن وبرلين وغيرها من العواصم الأوربية، كما خرج الإرهاب الداعشي والإخواني عن سيطرة أردوغان نفسه وانطلقت الذئاب المنفردة دون كابح لتنتقم من الحضارة ورموزها في كل دول العالم ولم تستثن الدول الأوروبية بالطبع.
رجل أوروبا المريض بالإرهاب يعتبر أن من حقه التمدد والتحرك في جميع الدول الأوروبية ما دامت تجمعاته وأنصاره موجودين في تلك العواصم، كما يعتقد أن من حقه ممارسة الغوغائية والمظاهرات بدون تصريح في تلك العواصم اعتقادا منه أن ما يسري في أنقرة وإسطنبول بفعل قوانينه الاستثنائية وحكمه الشمولي يمكن أن يسري فى فيينا أو ميونيخ أو نوتردام، ومن ثم دخل في صدامات متعددة مع ألمانيا وهولندا واليونان بعد حظر مظاهرات الموالين له دون تصريح وصلت إلى منع مسؤولين أتراك من زيارة هولندا وإلى تراشق حاد في التصريحات مع القيادة الألمانية واليونانية.
الدوائر السياسية في النمسا وغيرها من العواصم الأوربية وصفت رجال الدين الأتراك المقيمين على أراضيها بـ«الجواسيس»، وداهمت سلطات النمسا وألمانيا بالفعل منازل الأئمة الأتراك وصادرت وسائط تخزين بيانات ووسائل اتصال ووثائق جميعها كشفت تورطهم في أنشطة استخباراتية، الأمر الذي دفع الحكومة التركية إلى إعادتهم لبلادهم في محاولة لاحتواء الموقف.
السؤال الآن، هل يستطيع أردوغان بما فطر عليه من ميكيافيلية أن يتراجع أمام الغضب الأوروبي ويعدل من سياساته العدائية حتى يستطيع التعايش وسط جيرانه الأوروبيين، أم أنه يراهن على نجاح سياساته الديماجوجية لتمرير الإصلاحات الدستورية التي تمنحه صلاحيات غير مسبوقة، ثم يواجه أوروبا بسياسة الأمر الواقع ؟
في كل الحالات، أوروبا تلتفت الآن للخطر التركي العثماني باعتباره تهديدا حقيقيا للسياسة الأوروبية ولطبيعة المجتمعات الأوروبية، ولن تستطيع أنقرة أن تواجه الاتحاد الأوروبي طويلا بسياسة أردوغان الإرهابي الديماجوجي، والحل الوحيد في آخر النفق هو زوال السلطان العثماني من على الساحة السياسية وتحجيم آثاره وعودة تركيا العلمانية مرة أخرى.