يبدو العنوان مربكا بان بنائه على هذا التّضمّن القائم على التّناقض والخالي من المعقوليّة إذ كيف نتحدّث عن سرد في الشّعر أو عن قصص في القصائد؟
وعلى ما في العنوان من تناقض –أو هذاما يبدو – فإنّ مسألةالتّعالق بين الجنسين قائمة منذ عرف النّاس الكتابة وبدأت تظهر أخبار ونوادر ومقامات وحكايات وأساطير ومسامرات وقصص وروايات وقصائد .يقيم الدّليلَ على ذلك ما كُتب حول جدليّة الشّعر والقصّة في دواوين لعمر ابن أبي ربيعة ولجميل بثينة قديما وغيرهما وما كُتب حول الحضور السّردي في قصائد ومجموعات من الشّعر الحديث.
ويقيم البرهانَ على مدى التّعالق بين ضربيْ القول هذين ما ذكره أرسطو من أنّ الشّعر حكاية.
وقد دفعنا إلى هذا العنوان وإلى استهلال هذا التّقديم بهذه المقدّمة أمران :
أوّلهما اشتمال كتاب "سعيدة بن مسعود"هذا "بطعم السّكّر" على نصوص سرديّةإلى جانب جملة من القصائد الشّعرية بما يجعله كتابا خارقا لوحدة الجنس وبما يبرّر تجنيسه بـ:"نصوص" .لم تجنّسه صاحبته قصصا رغم احتوائه على قدر منها ولا مجموعة شعريّة رغم أنّها تكاد تكون كذلك ولكنّها اعتبرته نصوصا تحريرا له من كلّ ضابط واحتراما لما بين من يكتب ومن يقرأ من عقدائتماني يدفع الأوّل إلى اعلان جنس منتوجه حتّى لايظلّ غُفْلا ً وبلا هويّة ودون حقل حاضن .
أمّا ثانيهما وهو الذي نقصدهأساسا فما في هذه النّصوص الشّعرية من نفَس سرديّ ومن حضور للحكاية بكلّ مقوّماتها حتّى إنّ بعضالنّصوص هي قصص لولا اختلافها عن القصص طباعةً وتوزيعا لسوادها على بياض الورق .
ماالذي يعنيه هذا التّداخل أو هذا التّضمّن ؟
إنّه بعني بكلّ بساطة أنّنا مع كاتبة مهووسة بالجنسيْن إلى درجة أنّها تجمعهما معا في مُـؤَلَّـف واحد وإلى درجة أنّها تؤلّف بينهما كتابةً فتأتي قصيدتها حكاية وتأتي حكايتها في شكل قصيدة .
إنّه يعني أنّ الكاتبة وإن آمنت بالحدود الشّكلية بين الأجناس عموما وبين القصّة والشّعر على وجه الخصوص فإنّها لا ترى ضرورة للحدود المضمونيّةإلّا في بعض التّفاصيل الدّقيقة .
"بطعم السّكّــر" خبر لا وجود لمبتدإهإلّا تأويلا وتخمينا ، فلعلّ المبتدأالمتخفّي أو الذّائب أن يكون "قصص"أو "نصوص"أو "ما أكتبه"أو "ما ستقرأونه"أو "ما في كتابي هذا " ... وفي الأمر في كلّ الحالات اشهار للكتاب وامتداح له واغراء للقارئ وإغواء له .
سيسأل القارئ أوّلا عن ماهيّة هذا الشيء الذي بلغت لذاذته لذاذة الحلاوة ثمّ سينخرط في القراءة باحثا عن اللّذة أو عن السّكّر .
اختيار مبني على التّخفّي وعلى الإغراب والتّشويق ولا نظنّ الكاتبة إلّا قاصدة إليه قصدا .
"بطعم السّــكّر"، كتاب جديد لـ"سعيدة بن مسعود" هو مؤلَّفها الثّاني بعد "أنامل صمت" والكتاب الثّاني يقيم الدّليل عادة على أنّ الكاتب لم يقف عند بيضة الدّيك وأنّه ماض في الكتابة قُدُما ... فهل ننتظر بعده إصدارا آخر بطعم السّكّر أو بأحلى منه يؤكّد تجاوز الكاتبة الهواية إلى الاحتراف؟
يبدو أنّنا لن ننتظر طويلا .