مرة أخرى، تتحدث الأوساط التونسية عن قضية فساد تتعلق ببيع أدوية من مستشفى عمومي لصالح مصحة خاصة، بتواطؤ موظفين من القطاع العام في تونس. وفي مناسبات عديدة، اشتكى مواطنون من نقص في البعض من الأدوية إذ تعود الأسباب لأزمة مالية تعيشها الصناديق الاجتماعية خاصة صندوق التأمين على المرض.
تونس - اعتقلت القوات الأمنية التونسية موظفا بأحد المستشفيات العمومية في تونس أثناء بيعه لكمية من الأدوية المخصصة لمعالجة مرض السرطان لشخص يعمل في مصحة خاصة مقابل مبلغ مالي.
وأكد بيان لوزارة الداخلية الأربعاء إلقاء رجال الأمن التابعين للإدارة الفرعية للأبحاث الاقتصادية والمالية بإدارة الشرطة العدلية، القبض على شخص يعمل بأحد المستشفيات العمومية بتونس بصدد بيع كمية من الأدوية الخاصة بمرض السرطان إلى شخص آخر يعمل بمصحة خاصة مقابل مبلغ مالي.
وأفاد بيان الوزارة أن الشخصين اللذين تم اعتقالهما اعترفا بالتهم المنسوبة إليهما. وقال موظف المستشفى العمومي إن زميلين له بنفس المستشفى يزودانه بأدوية مرض السرطان، وأضاف أنه “يبيع هذه الأدوية إلى شخص آخر بجهة الحمامات” من ولاية (محافظة) نابل الواقعة شمال شرقي تونس.
وقالت وزارة الداخلية التونسية إنه بعد التحقيق مع الضالعين في القضية “اعترف جميعهم بمشاركتهم في عملية الاستيلاء والبيع للأدوية الخاصة بمرض السرطان” لصالح مصحة خاصة.
وتم حجز مبالغ مالية مع المشتبه بهم بالإضافة إلى كمية من الأدوية وسيارتين يتم استغلالهما في عملية البيع.
وفي مناسبات متواترة، اشتكي مواطنون من نقص لافت في الأدوية خاصة التي تستعمل لمعالجة مرض السرطان وأمراض مزمنة أخرى. وانتقد خبراء ومتابعون عدم قيام السلطات التونسية بالإجراءات اللازمة لتوفير الأدوية بصيدليات المستشفيات العمومية، مما يمكنها من تجنب الأزمة التي ينتجها النقص والتي تؤثر بدورها على صحة المرضى.
لكن المسؤولين بوزارة الصحة يؤكدون أن مشكلات نقص الدواء في تونس أقل بكثير من دول أخرى. وأكدت مصادر من الصيدلية المركزية في تونس أن نقص الدواء ناتج أساسا عن مشكلات في التزويد وتأخر البت في الصفقات العمومية التي تتعلق بشراء الأدوية من بلدان أخرى.
ونبهت أطراف عديدة من التداعيات السلبية لممارسات غير قانونية من بينها تهريب الدواء من تونس إلى بلدان مجاورة خاصة ليبيا، إذ يؤثر ذلك على كمية الأدوية المتوفرة في المستشفيات العمومية أو غيرها كما يضر بالاقتصاد التونسي في وقت يعاني فيه من وضع صعب.
كما تعود أسباب عدم حصول المرضى على الأدوية التي يحتاجونها في عملية علاجهم إلى وضع صعب يعيشه الصندوق الوطني للتأمين على المرض، إذ أثرت الأزمة المالية وكثرة الديون على التزامات الصندوق تجاه عملائه. ولجأت مخابر أدوية وصيدليات وأطباء إلى إيقاف اتفاقيات عمل وشراكة تم توقيعها سابقا مع الصندوق لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لمنخرطيه.
وجددت نقابات صحية، منذ يومين، مطالبتها رئاسة الحكومة بإيجاد حل للوضع الصعب لصندوق التأمين على المرض الذي نتج عن أزمة مالية حادة يعانيها.
وقال الكاتب العام لنقابة أصحاب الصيدليات رشاد قارة علي، في تصريح لصحيفة محلية، إن “التأخير في دفع المستحقات المالية يبلغ بالنسبة للبعض من مسديي الخدمات أكثر من 4 أشهر من الأجل المحدد في الاتفاقيات المبرمة، وهو ما تسبب في تراكم الديون المتخلدة خاصة بذمة المصحات الخاصة والصيدليات”.
ووصفت نقابات قطاع الصحة الوضع الذي وصل إليه الصندوق بـ”الخطر”، وقالت إنها “لم تعد تمكنه عن الإيفاء بتعهداته”. وهددت هذه النقابات بإيقاف العمل باتفاقيات وقعتها سابقا مع صندوق التأمين على المرض إذا لم تتحصل على مستحقاتها المالية لديه.
وفي شهر نوفمبر الماضي، قالت النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة إنها نبهت لمسألة النقص المسجل في الأدوية في تونس منذ شهر يوليو 2016 عندما بدأت الأزمة مع صندوق التأمين على المرض. كما أكدت أن “الوضع سيتسبب في اضطرابات داخل سلك توزيع الأدوية في تونس”.
وتحدثت تقارير مختصة عن ممارسات مشبوهة يقوم بها عاملون بالمستشفيات التونسية وتتعلق بملفات فساد، من بينها تهريب الأدوية من المستشفيات العمومية بهدف تحقيق أرباح مادية شخصية. ويزيد الفساد في المستشفيات العمومية من تعميق أزمة توزيع الأدوية في تونس.
وتقول استطلاعات رأي أجراها معهد الإحصاء إن قطاعي الصحة والأمن يتصدران قائمة القطاعات الأكثر فسادا في تونس.
وأوضح معهد الإحصاء في وقت سابق أن البحث الميداني كشف أن 67 بالمئة من المستجوبين يؤكدون أن ظاهرة الفساد والرشوة متفشية خاصة في قطاع الصحة والأمن.
وأكدت وزيرة الصحة السابقة سميرة مرعي منتصف مارس الماضي وجود ملفات فساد متراكمة منذ سنوات. وأشارت خلال جلسة في البرلمان التونسي إلى أن وزارة الصحة “لا تقبل تهريب أدوية الأمراض المزمنة من المستشفيات”، مؤكدة وضع آليات تحقيق جديدة للتصدي للفساد.
وأكدت مرعي في شهر فبراير الماضي، تفشي الفساد بشكل كبير بعدد من المستشفيات التونسية. وبينت أن برامج حوكمة جديدة لمكافحة الفساد شملت مستشفيات جندوبة وجربة والرابطة بتونس العاصمة.
وأقالت مرعي العديد من الموظفين بمستشفيات ومصالح أخرى تتبع وزارة الصحة بسبب ثبوت تورطهم في قضايا فساد، بالإضافة إلى إعفاء مديري مستشفيات من مهامهم لنفس الأسباب.