الصفحة 2 من 4
وضع أسس قانونية لتجريم الاتجار بالأشخاص
لا جدال أنه بالنسبة للقانون الجنائي أنه يخضع إلى عدة مبادئ أهمها مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ونعني بذلك أنه لا يمكن معاقبة شخص إلا بنص سابق الوضع. وفي هذا الصدد يمكن التأكيد أن تجريم الاتنجار بالأشخاص يجد أساسه على مستويين، يتمثل الأول في المستوى الوطني والثاني في المستوى الدولي. لذلك سنتناول تجذر تأسيس تجريم الاتجار بالأشخاص في القانون التونسي (أ)، إلى جانب الوعي الدولي بأهمية التجريم (ب).
أ- تجذر تأسيس تجريم الاتجار بالأشخاص في القانون التونسي
يجد تجريم الإتجار بالبشر أساسه وطنيا في أول دستور للإيالة التونسية، وكذلك دستور 1959، وتأكد ذلك في دستور 2014. دستور حيث كرس الدستور التونسي الذي يعد أعلى هرم في سلم القوانين الحق في الحياة والحق في كرامة الذات البشرية والحق في العمل في ظروف لائقة كما تضمن القانون التونسي نصوصا متفرقة منعت و جرمت ما يشابه الإتجار بالأشخاص مثال ذلك منع عقود العمل التي تخرق النظام العام على غرار عقد الشغل مدى الحياة و منع الإجارة على خدمة الآدمي الأبدية و تكريس عدة قواعد في قانون الشغل لضمان الأجر العادل إضافة إلى ذلك فقد جرمت المجلة الجزائية في الفصل 231 المراودة، الذي ينص على ما يلي: " النساء اللاتي في غير الصور المنصوص عليها بالتراتيب الجاري بها العمل يعرضن أنفسهن بالإشارة أو بالقول أو يتعاطين الخناء ولو صدفة، يعاقبن بالسجن من ستة أشهر إلى عامين وبخطية من عشرين دينارا إلى مائتي دينار. يعتبر مشاركا ويعاقب بنفس العقوبات كل شخص اتصل بإحدى تلك النساء جنسيا."
وتعززت حقوق المرأة المعرضة أكثر إلى جرائم الاتجار بالأشخاص، بصدور القانون عدد 22 المؤرخ في 25 مارس 1991 المتعلق بأخذ الأعضاء وزرعها، وكذلك القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بمنع جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إلى جانب القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته، الذي ينص بفصلة الثاني على أن جريمة الإتجار بالأشخاص تتمثل في "إستقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو إستقبالهم بإستعمال السلاح أو القوة أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الإختطاف و ذلك بقصد الإستغلال أيا كانت صوره من طرف مرتكب تلك الأفعال أو وضعه على ذمة الغير لإستغلاله و يشمل الإستغلال بغاء الغير أو دعارته أو غيرها من أشكال الإستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا و الاسترقاق و الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو التسول أو نزع الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا أو الأمشاج أو الأجنة أو جزء منها أو غيرها من أشكال الاستغلال الأخرى " .
وقد نص الفصل 44 من نفس القانون على ما يلي: "تحدث لدى وزارة العدل هيئة تسمى "الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص" تعقد جلساتها بمقر الوزارة التي تتولى تأمين كتابتها القارة". ويأتي إحداث هذه الهيئة من أجل التصدي بالنجاعة الكافية لهذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع. وتمت تسمية أعضاء هذه الهيئة بمقتضى الأمر حكومي عدد 197 لسنة 2017 مؤرخ في 9 فيفري 2017 يتعلق بتسمية رئيس و أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص. وتتمثل صلاحيات هذه الهيئة فيضمان تطبيق وإحترام القانون وحماية ضحايا الإتجار والتنسيق بين الجهات الفاعلة والعمل على التوعية بظاهرة الإتجار في تونس وخطورتها، جانب وضع الخطة الوطنية التي تهدف الى منع الإتجار بالأشخاص ومكافحته. ويأتي هذا التأسيس التشريعي لحماية المتضررين من جرائم الاتجار في الأشخاص، في إطار الوعي الدولي بأهمية تجريم هذا النوع من الاعتداءات.
ب- أهمية تجريم الاتجار بالأشخاص
من المؤكد العمل الدولي كان دؤوبا على حماية حقوق الإنسان وكانت بداية ذلك من خلال التنصيص على الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الفرد على مستوى دولي، من ذلك الاتفاقيات الدولية لحامية لحقوق الإنسان، على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لسنة 1948، الذي يتمثل في وثيقة، جاء بديباجته المعايير العامة لمنع التمييز بمكافحة انواعه. كما أكدت المادة الثالثة من هذا الإعلان على أن حق الانسان في الحرية، ونصت المادة الرابعة من هذا الإعلان على منع الاستراقاق وكذلك حظر الاتجار بالرقيق بكافة اشكاله. وإلى جانب ذلك نجد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي جاء بالمادة الثامنة منه على نفس تنصيص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتظيف نفس المادة على التمييز بين مصطلحي الاسترقاق والاستعباد. ويتمثل الاسترقاق في القضاء على الشخصية القانونية للفرد، في حين أن الاستعباد يحمل مفهوما أعم، بما أنه يشمل جميع الاشكال الممكنة لسيطرة الانسان على الانسان، ويعتبر الرق الشكل المألوف من أشكال هذه السيطرة.
وإلى جانب هذه الاتفاقيات العامة لحقوق الإنسان نجد اتفاقيات خاصة بمنع الاتجار بالأشخاص، إذ ورد حظر الاسترقاق بصورة تدريجية في العديد من الاتفاقيات الدولية انطلاقا من الاتفاقية الخاصة بالعبودية لسنة 1925، التي تلتها الاتفاقية التكميلية لإلغاء الرق وتجارة الرقيق والاعراف والممارسات الشبيه بالرق لسنة 1956، التي ورد بالمادة 1 منها التنصيص على ضرورة التزام الدول بمنع الرق ومحاربته وابطال اعرافه وممارسته بما في ذلك الممارسات المشمولة في اتفاقية 1925 غير المشمولة فيما يتعلق بأسار الدين والقنانة. وإلى جانب ذلك يمكن الإشارة إلى الاتفاقية الدولية لقمع الاتجار بالنساء والاطفال لسنة 1921، بالإضافة إلى اتفاقية الامم المتحدة الخاصة بحظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لسنة 1949 المعروفة باتفاقية تحريم الاتجار بالرقيق الأبيض، التي تنص على حظر ومعاقبة كل شخص يقوم بالإتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير بأية صورة. وكذلك الاتفاقية الدولية الخاصة بقمع الاتجار بالنساء الراشدات لسنة 1933، ومن أهم الاتفاقيات المتعلقة بمنع الاتجار بالأشخاص نجد اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2002، برتوكول الامم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالاشخاص لاسيما النساء والاطفال المكمل لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2002، لاسيما النساء والاطفال المكمل لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2002. ويتمثل هذا البروتوكول في أهم الملاحق المرفقة باتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية حيث اعتبرت جرائم الاتجار بالبشر، التي تعتبر من قبيل الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية وعلى النحو الذي يجعلها مؤهلة لانطباق احكام الاتفاقية عليها.
وإلى جانب هذه الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف ذات البعد العالمي، نجد الاتفاقيات الإقليمية، - الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان لسنة 1950، التي ورد بالمادة الرابعة منها "انه لا يجوز استرقاق او تسخير اي انسان، وبانه لا يجوز ان يطلب من اي انسان اداء عمل جبراً او سخرة". وفي نفس هذا السياق صدر الميثاق الافريقي لحقوق الانسان لسنة 1981، الذي أكد على الاعتراف بضرورة احترام الكرامة الانسانية، من خلال حظر كافة أوجه الاستغلال. وجاء المادة الخامسة من هذا الميثاق على أنه "لكل فرد الحق في احترام كرامته والاعتراف بشخصيته القانونية وحظر كافة اشكال استغلاله وامتهانه واستعباده خاصة الاسترقاق والتعذيب بكافة انواعه والعقوبات والمعاملة الوحشية واللاإنسانية أو المذلة". كما صدر الميثاق الافريقي لحقوق ورفاهية الطفل سنة 1990، الذي يعتبر من أول المواثيق الاقليمية التي نصت على حظر تشغيل الاطفال واستغلالهم جنسياً وكذلك منع اختطاف وبيع الاطفال والاتجار بهم. وإلى جانب ذلك صدرت الاتفاقية الامريكية الخاصة بمنع العنف ضد النساء والعقاب عليه لسنة 1994. وتعد هذه الاتفاقية من الاتفاقيات الدولية التي تجرم الاتجار بالبشر لفئة النساء، إلى جانب منع العنف البدني والجنسي والنفسي الموجه ضد النساء، الذي نصت عليه الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، بتاريخ 18 ديسمبر 1979. وتضاف إلى ذلك الاتفاقية الاوربية لمكافحة الاتجار بالبشر لسنة 2005، التي ألزمت الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات القانونية التي تؤدي إلى تجريم أفعال الاتجار بالبشر حال ارتكبتها بصورة عمدية لا سيما تجريم فعل استعمال الخدمات موضوع الاستغلال.
مع العلم بأن الشخص المعني ضحية للإتجار بالبشر. مع العلم أن أغلب المعاهدات والاتفاقيات أصدرت التوصيات بضرورة المصادقة عليها، إلى جانب تفعيل ذلك على أرض الواقع على مستوى وطني. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مصادقة الجمهورية التونسية على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تعزز حقوق الإنسان والحماية القانونية ضد الإتجار بالأشخاص، على غرار المصادقة على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 بمقتضى الأمر عدد 2101 لسنة 2002 المؤرخ في 23 سبتمبر 2002 المتعلق بالمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، واتفاقية منظمة العدل الدولية رقم 182 لسنة 1999 بشأن حظر أخطر أنواع أشكال عمل الأطفال و لإجراءات الفورية للقضاء عليها، بمقتضى الأمر قانون عدد1 لسنة 2000 المؤرخ في 24 جانفي2000. كما صادقت بلادنا على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة بموجب قانون 68 لسنة 1985 المؤرخ في 12 جويلية 1985. ثم بعد ذلك سحبت تونس جميع التحفظات تجاه هذه الاتفاقية بموجب الأمر عدد 4260 لسنة2011 المؤرخ في 28 نوفمبر 2011. ومن بين الاتفاقيات الاقليمية، نجد الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي تمت المصادقة عليه بموجب القانون عدد 64 لسنة 1982 المؤرخ في06 أوت 1982 يتعلق بالترخيص للبلاد التونسية في الانخراط في الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب. ومن أهم المعاهدات التي صادقت عليها الجمهورية التونسية نجد إتفاقية حقوق الطفل، وذلك بمقتضى القانون عدد 92 لسنة 1991 المؤرخ في29نوفمبر 1991 المتعلق بالمصادقة على اتفاقية الامم المتحدة لحقوق الطفل. مع العلم أن هذه الاتفاقية كانت مرفقة بالبروتوكولين الاختياريين الملحقين. وتشكل هذه الاتفاقيات الدولية الإطار العام الذي يجب أن يخضع إليه التجريم، ويبقى من واجب الدول المنخرطة في مكافحة الاتجار بالأشخاص تحديد عناصر التجريم في قوانينها الوطنية .