رجال أعمال دخلوا ميدان الصحافة لتحقيق مكانة سياسية.
ترتفع الأصوات المطالبة بالتحقيق في قضية سيطرة لوبيات المال والسياسة على وسائل الإعلام في تونس، وتدخلها في المضامين الإعلامية للتأثير على الشأن العام وخدمة المصالح السياسية، ما أفقد الجمهور ثقته في الإعلام وفي جديته ونزاهته.
تونس - أجمعت العشرات من المنظمات المهنية وجمعيات المجتمع المدني في تونس على خطورة استمرار هيمنة لوبيات مالية وحزبية على وسائل إعلام متنوعة، استعملتها طيلة العقد الماضي كأدوات تضليل لخدمة مصالحها.
واعتبرت الجمعيات في بيان مشترك أنه من غير الممكن للإعلام التونسي أن يقوم بدوره في الظروف العسيرة والخطيرة التي تمر بها تونس دون كشف النقاب عن الأسباب التي أدّت في السنوات العشر الماضية إلى انحراف مسار الانتقال الديمقراطي، وتغلغل اللوبيات المالية والسياسية في مؤسسات الدولة وهيمنتها على وسائل الإعلام.
وتعتبر مسألة ملكية وسائل الإعلام والأموال التي تضخ فيها معضلة كبرى وغير واضحة، رغم تدخل واضح من الأحزاب ورجال الأعمال في المضامين الإعلامية الخاصة بها.
وعلى سبيل المثال تمتلك حركة النهضة حزاما إعلاميّا يضم قنوات تلفزيونية داعمة ومؤيدة لها مثل “الزيتونة” و”حنبعل” و”الإنسان” و”أم. تونيزيا”، إضافة إلى معلّقين سياسيين بارزين مقربين من الحركة في قناتي “الحوار التونسي” و”التاسعة”، وصحف إلكترونيّة منها مجلّة “ميم” التي تملكها وترأس تحريرها سميّة الغنوشي ابنة راشد الغنوشي نفسه، وموقع “الشاهد” المقرب من الحركة.
ويملك رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي قناة “نسمة” التلفزيونية، فيما يملك سامي الفهري الذي يتابع في قضايا فساد قناة “الحوار التونسي”، أما رئيس حزب الرحمة سعيد الجزيري يملك إذاعة القرآن الكريم.
وبعض هذه الوسائل الإعلامية غير حاصل على ترخيص بث قانوني، ويخالف القانون الخاص بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهايكا”.
وطالبت الجمعيات والهيئات بمُحاكمة كل من تورّط في هذا الملف، داعية إلى ضرورة الاعتماد على المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، ووضع حد للبث الإذاعي والتلفزيوني الخارج عن القانون، والتزام مُؤسسات الدولة وخاصة رئاسة الجمهورية بقواعد الاتصال مع وسائل الإعلام المُعتمدة في الدول الديمقراطية.
ويُجمع صحافيون تونسيون على نفوذ وسيطرة المال الفاسد على بعض وسائل الإعلام في تونس، وأشاروا مرارا إلى وجود خطر حقيقي على حرية التعبير واستقلالية العمل الصحافي بسبب الخضوع إلى لوبيات المال والأحزاب التي تسعى لوضع اليد على الإعلام وإخضاعه للمحاصصة الحزبية.
وقالوا إن هدف بعض رجال الأعمال تعدّى امتلاك صحيفة أو قناة فضائية والبحث عن ربح مادي، ليصبح الهدف هو تحقيق مكانة سياسية، أو من أجل الدفاع عن شبهات حول ثرواتهم أو تجاوزات مالية أو تخويف الخصوم وإرهابهم.
كما أن تعليقات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى امتعاض واسع لدى التونسيين من التحالف القائم بين لوبيات المال والإعلام مع بعضهم البعض ومع أطراف خارجية أيضا لها أجندات محددة، وإبعاد المواطن عن الاهتمام بالشأن العام وعن المشاركة السياسية ويُفقده الثقة في الإعلام وفي جديته ونزاهته.
وطالب الممثل عاطف بن حسين الدولة التونسية بالتحقيق العاجل وفتح ملفات فساد بعض القنوات التونسية التي تعتبر منبعا للفساد والاحتيال.
وتحدث في تدوينة على حسابه في موقع فيسبوك عن طريقة التسيير المريبة التي تعتمدها هذه القنوات والسجل القضائي لأصحابها وبعضهم من زعماء الأحزاب السياسية، منوها إلى وجود العديد الانتهاكات حولها. واعتبر أن فتح ملف هذه القنوات لا يعتبر حدا من حرية الإعلام كما يحاول أن يروج المدافعون عنها بل هو تحقيق للعدالة والقضاء على الفساد مهما كان فاعلوه.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في تمرير تشريع قانوني يضع حدا لسيطرة المال الفاسد على الإعلام، خاصة بعد أن سحبت الحكومة السابقة مشروع القانون الأساسي لحرية الإعلام السمعي البصري الذي ناقشته الهياكل المهنية ومختلف الوزارات المعنية.
واعتبر ناشطون أن عملية سحب المشروع من قبل الحكومة هي خدمة لمصالح بعض الكتل في البرلمان التي ترغب في الهيمنة وتشرع لفوضى القنوات التلفزيونية والإذاعية المدعومة من لوبيات المال الفاسد ومن الأطراف الخارجية التي تخدم مصالحها الضيقة.
ولا يزال قصور تغطية الإعلام المحلي للأحداث الأخيرة يثير الجدل والاستياء في تونس، إذ يعتبره الكثيرون دلالة على تأثير الأحزاب السياسية على المنصات الإعلامية وحرصها على التعتيم على قضايا مهمة لخدمة مصالحها.
وقالت الجمعيات الموقعة على البيان المشترك وعددها 28، إنه “من المُخجل أن يفوز الإعلام الأجنبي بالسبق في إعلام الشعب التونسي والرأي العام الدولي بالتدابير الاستثنائية التي اتّخذها رئيس الجمهورية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، ما يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث قبل 2011، عندما كان التونسيون يلجأون إلى وسائل إعلام أجنبية للاطلاع على ما يجري في بلادهم، في ظل نظام استبدادي مُتحصّن بقوانين سالبة للحقوق والحريات الأساسية”.
وأدانت الجمعيات كل السياسيين “الذين يحثّون حكومات أجنبية على الضغط على تونس سياسيا واقتصاديا، وكذلك حملات التشويه والتباكي على مُستقبل الديمقراطية في تونس، التي تشنّها وسائل إعلام أغلبها مدعوم” من قبل دول أجنبية بعضها معروف بسجن الصحافيين المُستقلّين.
وذكرت بأن الهدف الأساسي من حرية الصحافة التي أهدتها الثورة للشعب التونسي هو تمهيد السبيل لحماية حق المواطن في الإعلام وضمان تعددية حقيقية، في إطار ميثاق اجتماعي يؤسّس لدولة ديمقراطية عادلة وضامنة للمساواة بين الجميع، وتُطبّق القانون على الجميع دون تأثيرات سياسية واستثناءات وحصانات.
ومن بين المُنظمات والجمعيات المُوقّعة على البيان أصوات نساء، جمعية التلاقي للحرية والمُساواة، الجمعية التونسية للحراك الثقافي، الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، جمعية بنا للإعلام والتنمية، اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان بتونس ومركز تونس لحرية الصحافة وغيرها.