مع اقتراب شهر رمضان، تشهد أسواق تونس القديمة ومحالها التجارية حركة استثنائية، يستنشق فيها التونسيون والسياح الأجانب عبق التاريخ والحضارة، ويقبلون على شراء الملابس والمصوغات التقليدية والبخور والعطور والحلويات، وغيرها، واستعادة ذكريات الماضي، احتفاء بـ«العواشر»؛ وهو الاسم الذي يُطلق على العشر الأواخر من شعبان وكامل شهر رمضان.
وتنتعش الصناعات الحرفية بكل أنواعها في رمضان، لاسيّما في مدن تونس الكبرى، بينما يتم خلال النصف الثاني من الشهر الفضيل فتح المحلات ليلاً لتستقطب المتسوقين الباحثين عن هدايا ومستلزمات العيد والأفراح التي عادة ما تنتظم في النصف الثاني من الشهر الكريم ومنها الخطوبة وعقد القران. وتتميز مائدة رمضان في تونس بالإقبال على التمور، فيما يزداد الإقبال قبل حلول رمضان على أنواع التمور المحلية ومنها «دقلة النور» وهي أرقى الأصناف المنتجة في واحات الجنوب كتوزر وقبلّي.
وتعتبر «أبوطبيلة» إحدى العادات القديمة التي تميّز شهر رمضان، وتحاول بعض البلديات الداخلية استعادتها من باب إحياء التراث وإنعاش ذاكرة الأجيال، إذ يدق «أبوطبيلة» على طبلة بإيقاعات منادياً الصائمين للقيام للسحور. وتتميز ليالي رمضان في المناطق الداخلية بتنظيم احتفاليات فنية كبرى في الهواء الطلق تتماشى وخصوصياتها الثقافية والحضارية، ومن ذلك تظاهرات الفروسية الشعبية والألعاب التقليدية، فيما تقوم بعض المهرجانات الدولية كمهرجان الصحراء بدوز والقصور الصحراوية بتطاوين والواحات بتوزر، بتنظيم فعاليات خاصة، بما يضفي على المدن والقرى طابعاً جمالياً ساحراً.
وتعرف تونس خلال رمضان، تنظيم عشرات المهرجانات الفنية والثقافية والتراثية التي عادة ما تنطلق عروضها بعد صلاة التراويح وتتواصل حتى بعد منتصف الليل، إذ يكون للجمهور موعد مع الموسيقى التقليدية والأغاني التراثية والموشحات الأندلسية.
وتركّز ليالي تونس على الوصلات والأنغام الصوفية والروحانية، التي يتم تقديمها في دور الثقافة وقاعات العروض الفنية والقصور القديمة بالمدن العتيقة، وفي مقامات الأولياء الصالحين من أقطاب التصوف البارزين كأبي الحسن الشاذلي، وأبي سعيد الباجي، ومحرز بن خلف وغيرهم، فيما تتنوّع المضامين التي تحتوي عليها العروض بين الأدعية والابتهالات ومديح النبي صلى الله عليه وسلم، والقصائد المعروفة مثل «البردة».
وتحتضن أغلب المساجد التونسية، مسامرات رمضان انتهاء صلاة التراويح، وهي عبارة عن محاضرات ومحاورات دينية يقدمها أئمة ودعاة وأساتذة متخصصون، وتتمحور حول القيم السمحاء في الدين الحنيف كالتسامح والتعاون والمحبة والسلام والمعاملة بالحسنى.
مهرجانات
ومن أبرز مميزات ليالي رمضان في تونس، سهرات «الفداوي» وهو الاسم المحلي للحكواتي، والتي تنتظم في صالات ثقافية أو في مقاهٍ شعبية، كما تندرج ضمن مهرجانات مختصة تحتضنها عدة مدن، إذ يقدّم ممثلون مسرحيون ورواة معروفون، الملاحم والحكايات الشعبية التي تتحدث عن الزير سالم، وعنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي، وغيرهم في إطار من التشويق. ويمثل مهرجان المدينة أحد أبرز عناوين رمضان الثقافية، وهو تظاهرة فنية انطلقت أولى فعالياتها في العام 1983 بتونس العاصمة ويتم تنظيمها في رمضان من كل عام، ثم انتشرت في كل المدن التونسية الكبرى وأصبحت فرصة سنوية لاكتشاف المواهب الفنية المحلية والتجارب الجادة والراقية والطريفة عربياً ودولياً. وتحوّل شهر رمضان في تونس، إلى موسم سنوي لتقديم الأعمال الدرامية الجديدة، سواء في التلفزيون الرسمي أو القنوات الخاصة، والتي عادة ما تتنوع بين اجتماعية وكوميدية، فيما يتزامن بثها عادة مع اتساع رقعة الإعلانات التي تروّج للسلع الاستهلاكية التي يرتفع الإقبال عليها خلال الشهر الفضيل.
إفطارات
وتتسع رقعة الإقبال على الحلويات خلال رمضان، والتي يتم تقديمها على مائدة السهرة وللضيوف، وتعتبر من أهم ملامح الشهر وتتنوع حسب المدن والمناطق، ومنها الزلابية والمخارق المعروفة خاصة في باجة ومدن الشمال ومقروض القيروان وكعك الورقة ومحشي تطاوين وغيرها. ومع اقتراب عيد الفطر، تتجه أغلب الأسر لصناعة حلويات العيد الخاصة به، أو تشتري ما تحتاج إليه من المحلات التي تتوزع في أغلب الأحياء والشوارع. وتنظم موائد إفطارات جماعية ومجانية خلال رمضان في تونس، وهي مخصصة للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، وتشرف عليها جماعات خيرية ومؤسسات خاصة، وإرسال وجبات جاهزة للأسر المتعففة في منازلها بسيارات يقودها متطوعون.