تمر معظم دول العالم في الفترة الحالية بموجة من الركود الاقتصادي، اذ وكما يبدو عليه ان الدورة التي يمر بها الاقتصاد هي حالة من الكساد العالمي، فمنذ الازمة المالية في العام 2008، والتدني في معدلات النمو والناتج والمحلي وازدياد فجوة العجز وانخفاض في مستوى الدخول والايرادات مع ارتفاعات ملحوظة في معدل البطالة، بات سمة الاقتصاد اليوم.
وبما ان بلد مثل تونس لا يعيش بمعزل عما يحصل، فقد طالته تلك السحابة السوداء، رغم كونه قائد طليعة الربيع العربي الذي تحول لاحقا الى خريف عربي عصف بالمنطقة العربية ككل، اذ وعلى صعيد الاقتصاد تفاقم عجز ميزانية الدولة التونسية ليبلغ 1,5 مليار يورو في نهاية تشرين الاول/اكتوبر 2016، بحسب تقرير للبنك المركزي التونسي نشر في خضم حالة من التجاذب بين الحكومة والمركزية النقابية حول قانون المالية لعام 2017.
وجاء في مذكرة للبنك المركزي نشرها "ان تنفيذ ميزانية الدولة عند نهاية تشرين الاول/اكتوبر يظهر تدهورا في عجز الميزانية" الذي بلغ 3,7 مليارات دينار تونسي (1,5 مليار يورو)، مقابل 1,5 مليار دينار (610 مليون يورو) في الفترة ذاتها من العام الماضي.
واضاف المصدر ان "العجز القائم تفاقم بوضوح في تشرين الاول/اكتوبر" ليبلغ 7,5 بالمئة من الناتج الاجمالي، متوقعا ان يقترب العجز من 8,5 بالمئة في نهاية 2016، واكد البنك المركزي ان النمو لم يبلغ سوى 0,2 بالمئة في الفصل الثالث من العام الحالي، وانه لن يزيد "في احسن الحالات" عن 1,4 بالمئة لمجمل 2016، وكانت الحكومة التونسية التي استلمت مهامها في صيف 2016 اكدت ان البلاد تعيش حالة "طوارىء اقتصادية"، وتحاول حاليا ان تمرر ميزانيتها الجديدة عبر البرلمان.
وتشمل هذه الميزانية العديد من اجراءات التقشف بينها ما يتعلق خصوصا بتاجيل زيادة رواتب العاملين في القطاع العام، وهذا الاجراء الاخير يعارضه بشدة الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) الذي دعا الى الاضراب العام في الوظيفة العمومية.
وابرمت تونس في ايار/مايو خطة مساعدة مع صندوق النقد الدولي بقيمة 2,6 مليار يورو تمتد على اربع سنوات، وفي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر حذرت وكالة موديز من ان تصنيف الدين السيادي لتونس (بي ايه3) يمكن ان يخفض على الامد المتوسط بسبب تدهور المالية العامة، وعقد في تونس مؤتمر دولي للاستثمار، وبلغت قيمة الالتزامات المؤكدة ووعود المساعدات، ومعظمها في شكل قروض14 مليار يورو، بحسب الحكومة.
تونس تجمع أكثر من مليار يورو
ومن أجل وضع حلول عملية للأزمة الراهنة في تونس، وبحضور 2000 مشارك ونحو 40 دولة، ستعرض تونس خلال مؤتمر استثماري دولي يتواصل يومين ويهدف إلى إنعاش اقتصادها المنهك، أكثر من 140 مشروعا استثماريا تقارب كلفتها 30 مليار يورو، واستطاعت تونس جمع أكثر من مليار يورو على شكل مساعدات وقروض من دول عدة.
اذ جمعت تونس أكثر من مليار يورو على شكل مساعدات وقروض من دول عدة ، وذلك خلال مؤتمر استثماري دولي يهدف إلى إنعاش اقتصادها المنهك بعد ست سنوات على الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي.
وتعاني تونس، وهي الناجي الوحيد من دول "الربيع العربي"، أزمة اقتصادية واجتماعية حادة بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة، وفي 2015 شهدت البلاد 3 هجمات جهادية دامية قتل فيها 72 شخصا هم 59 سائحا أجنبيا والبقية عناصر أمن، ولمجابهة التدهور الاقتصادي وتفاقم العجز، اضطرت تونس في أيار/مايو لطلب قرض بقيمة 2,6 مليار يورو على مدى أربع سنوات من صندوق النقد الدولي.
ويشارك في المؤتمر ممثلون لكبرى المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وبنك الاستثمارات الأوروبي والبنك الأفريقي للتنمية، كما ستوقع على هامشه العديد من الاتفاقيات الثنائية، ومن بين المشاريع الـ142 المعروضة في المؤتمر، هناك 64 مشروعا استثماريا حكوميا و34 للاستثمار المشترك بين القطاعين العام والخاص و44 للقطاع الخاص حصرا.
دعم دولي للاقتصاد التونسي
إثر ذلك، أعلن أمير قطر في خطاب "يسرني الإعلان عن قيام دولة قطر بتوجيه مبلغ مليار و250 مليون دولار أمريكي إسهاما منها في دعم اقتصاد تونس وتعزيز مسيرتها التنموية"، من دون أن يوضح إن كان هذا المبلغ قرضا أم وديعة.
ومن ناحيته أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن الوكالة الفرنسية للتنمية ستستثمر "على الأقل 250 مليون يورو كل سنة في تونس"، بالإضافة إلى التزاماتها السابقة لدعم الديمقراطية الناشئة.
ومؤخرا، أعلن الاتحاد الأوروبي مضاعفة دعمه المالي لتونس للعام 2017 إلى 300 مليون يورو، وسيتوجه الرئيس التونسي إلى بروكسل للقاء كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، وأعلن فيرنر هوير رئيس البنك الأوروبي للاسثمار (الذراع التمويلية للاتحاد الاوروبي)، الموجود بتونس حاليا، تعزيز أنشطة البنك في تونس بقروض تصل إلى 2,5 مليار يورو من هنا وحتى 2020.
فيما أعلن وزير المالية الكويتي أنس الصالح "استعداد" الكويت تقديم "قروض ميسرة" لتونس على مدى السنوات الخمس القادمة، وأفاد ممثل الصندوق السعودي للتنمية أن المملكة السعودية ستخصص تمويلات بقيمة 800 مليون دولار منها 100 مليون دولار هبة لتمويل مشاريع واستثمارات في تونس.
قرض بـ 2 مليار دولار من البنك الافريقي لتونس
صرح جاكوب كولستر المدير الإقليمي لمنطقة شمال أفريقيا بالبنك الافريقي للتنمية إن البنك سيمنح تونس قروضا تترواح قيمتها بين 1.5 و2 مليار يورو (1.6-2.1 مليار دولار) على مدار الأعوام الخمسة المقبلة.
وأعلن كولستر القرض خلال مؤتمر استثمار في تونس تعهد خلاله شركاء إقليميون وغربيون بمنح مساعدات مالية بالمليارات بهدف إنعاش اقتصاد تونس، وتسعى تونس للحصول على الدعم المالي وجذب استثمارات أجنبية في الوقت الذي تعاني فيه من نمو ضعيف وارتفاع معدلات البطالة بالإضافة إلى عجز مالي كبير، وذكر وزير الاستثمار التونسي فاضل عبد الكافي إن الإعلان الكبير الذي خرج عن البنك الأفريقي للتنمية يأتي بعد عدة شهور من المفاوضات.
وقد تلقت تونس تعهدات بمساعدات من قطر بقيمة 1.25 مليار دولار وقروض بقيمة 2.9 مليار يورو (3.1 مليار دولار) من البنك الأوروبي للاستثمار و1.5 مليار دولار من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وتدفع الحكومة التونسية بإجراءات في مشروع موازنتها لسنة 2017 بهدف تقليص الإنفاق العام وتحقيق إيرادات جديدة من أجل تقليص العجز لكنها تواجه مقاومة لتلك الإجراءات.
من هذا نستنتج ان فورة القروض هذه التي باتت الملجأ الاخير للعديد من الدول حالة طبيعية فبعد العراق هناك مصر والان تونس وربما القادم مزيد، وهو ان ماحصل من ثورات في طبيعة النظام السياسي لهذه البلدان، كان الهدف منه اقتصادي وليس سياسي وحسب، وهو زيادة تبعية هذه الدول للخارج من اجل ضمان التحكم بها وبقرارتها وعبر بوابة الاقتصاد، اي الضغط على الجرح النازف والذي لاتستطيع معه هذه الدول ان تقول لا لعدم التدخل سياسياً، وبالتالي فأن هذه التبعية من شأنها أن تجعل هذه الدول في حالة تبعية وحاجة مستمرة للدول العظمى ومؤسساتها البالغة النفاذ والقوة، من أجل ضمان صوتها السياسي عبر مايعرف بالتهديم الخلاق او الفوضى الخلاقة.