اختر لغتك

الخطاب السياسي.. مهارة شخصية للقادة ورسالة معلنة للدولة

الخطاب السياسي.. مهارة شخصية للقادة ورسالة معلنة للدولة

الخطاب السياسي.. مهارة شخصية للقادة ورسالة معلنة للدولة

الخطاب يلعب دوراً في صناعة الوعي وبناء المعنى في المجتمع، فمن تحليل نصوصه يمكن فهم سياسات النخبة وثقافة المجتمع.


لا يستطيع الفاعل السياسي، فرداً كان أم حزباً أم دولة، التعبير عن أفكاره وبرنامجه من دون خطاب فعّال يؤثر في المتلقي فكرياً وعاطفياً. وليس الخطاب السياسي مجرد كلمات أو تراكيب لغوية، إنما هو أجندة سياسية ورؤية استراتيجية ومشروع أخلاقي يعكس التكوين القيمي لصانعه وخلفيته الثقافية، ويؤدي أدوراً سياسية واتصالية ومعنوية في المجتمع.

وهو ما تناولته الأكاديمية العراقية إيناس ضياء مهدي في دراسة تحمل عنوان “تحليل القوى الاستراتيجية المؤثرة للخطاب السياسي: دراسة حالة الخطب السیاسیة لباراك أوباما”، التي نشرتها دورية “الأستاذ” الصادرة عن جامعة بغداد، وتقول إن “الخطاب السیاسي يتمتع بعوامل قوة استراتيجية كامنة تجعله يؤثر بشكل مباشر في عقول الجمهور؛ مثل تبليغ الرسالة السياسية وإقناع المتلقي بها وبناء الثقة معه وتوضيح الرؤية الاستراتيجية لصانع القرار”.

وترى مهدي، وهي أستاذة التخطيط الاستراتيجي في جامعة بغداد، أن فاعلية الخطاب السياسي تعتمد على كفاءة القیادات في صیاغة السياسات والأهداف ضمن جمل بليغة ومقبولة للناس، وجعلهم یؤمنون بها ویسعون لتحقيقها. وتُقسم الباحثة الدراسات التي تناولت الخطاب السياسي إلى مجموعتين؛ المجموعة الأولى اعتبرت الخطاب السياسي مهارة شخصیة للزعيم السياسي، والثانية تراه رسالة دولة.

وتشير الباحثة إلى نظريات تعتبر الخطاب السياسي مهارة سياسية واستراتیجیة تنتفي بدونها فاعلیة الاتصال بین القادة والجماهیر، وتمثل القدرة على إیصال أفكار ومبادئ وخطط الدولة للسكان عبر المشاركة الكلامیة وتوظيف اللغة والإشارات والرموز التي تؤثر تلقائیاً في أذهان المتلقين.

كما تلفت إيناس مهدي إلى مقاربات أخرى ترى الخطاب السياسي الرسالة المعلنة للدولة أو تصريحاً شبه رسمي بما ترمي إليه القیادة، فهو بيان لاستراتیجیاتها وآلیات تطبیقها، وأداة الإفصاح عن غایات الدولة، وتمنحه العلنية سمة الإلزام لأن القادة یفقدون مصداقیتهم إذا خالفوا وعودهم الشفوية.

وتعرّف الباحثة القوى الاستراتیجیة للخطاب السیاسي بأنها مجموعة العناصر التي یضفيها على قوة الدولة وهیبتها بین الدول وقوة الزعماء أمام شعوبهم؛ بمعنى أنها مجمل الأبعاد المؤثرة إیجابیاً على المكانة الاعتبارية للقائد وللمؤسسة السياسية.

ويلعب الخطاب دوراً في صناعة الوعي وبناء المعنى في المجتمع، فمن تحليل نصوصه يمكن فهم سياسات النخبة وثقافة المجتمع؛ إذ تعتقد الباحثة أن الخطاب يصف بمفاهیمه اللغویة واقعاً وسیاقاً معیّنين، ویتأسس فيه بالضرورة معنى أو عدة معانٍ یراد إيصالها إلى المتلقي. وتضيف أن قدرة الخطاب السیاسي على إحداث تواصل ناجح مع المتلقي يتوقف على نيله قدراً من الرضى الجماهیري من خلال الإقناع والمحاججة.

وترى الباحثة أن عنصر الإقناع لدى باراك أوباما يتجلى في تركيز خطابه على الجانب الاجتماعي مثل قوله “حان الوقت لحل أزمات الإسكان ومكافحة البطالة بكل صورها”، والعمق الأخلاقي الذي ساعده على كسب ثقة الجمهور كما في إشارته إلى منافسه جون ماكين بأنه “خدم البلد ببسالة ولیس لي معه خلاف شخصي لكنني أختلف معه في السیاسة”، والإلهام والتحفيز كما في قوله “لقد آمنت بقوة الشعب لیقود حملة التغییر في البلد من أجل الأجیال القادمة ولتحقیق أحلامنا وآمالنا” ما دفع الناخبين إلى الإقبال على انتخابه.

ويرتكز خطاب أوباما على بناء الثقة حيث توضح مهدي أن قوة القائد السیاسي وشعبیته تعكسان ثقة الجمهور برجاحة عقله وقدراته القیادیة وإیمان هذا الجمهور بأن هذا القائد أهل للزعامة إذ يؤشر الخطاب السياسي على مدى كاريزمیة وجاذبية القادة.

وتشير الباحثة إلى دور النزعة القيمية لخطاب أوباما في كسبه ثقة شرائح واسعة من المجتمع الأميركي، فالقيم هي الأساس لخلق مناخ سیاسي صحي، والمصدر الأول لثقة الجماهیر هو خلق علاقات قیمیة تهيئ للنجاح السياسي.

ولفتت مهدي إلى اتجاه أميركي يعتبر خطب أوباما تلبية لحاجة إلى نموذج جدید من المبادئ والمواقف السیاسیة التي تؤدي إلى تغییر جذري في الحیاتين السیاسیة والعامة، حيث أكد أوباما على الكثیر من القیم السیاسیة التي عدّها المجتمع الأميركي ضرباً من الماضي، مثل التغيير والانفتاح والإرادة والمسؤولية، فأكسبت خطابه قوته وأوصلته إلى الرئاسة.

وحاول أوباما نقل وجهة النظر الاستراتیجیة إلى الجماهیر وإقناعها بهذه الوجهة حتى في الأجواء المتوترة والأوقات الحرجة؛ فبحسب الباحثة يمكن أن يمرر صانع الخطاب الأفكار الكبرى أو الأهداف البعيدة إلى الرأي العام عبر آليتين؛ الأولى هي التركيز على الأولويات أي وضع الهدف الجوهري للخطاب نصب عین الجمهور وإطلاعه على الحقائق للتأثیر فيه وخلق الدافعية لديه لعمل معين. والثانية هي التحكّم في سرعة الإلقاء ونبرة الصوت.

وتشرح الباحثة أسلوبين لإبراز الأولویات في التعبیر الخطابي؛ أولهما استعمال الأسئلة البیانیة التي لا تحتاج إلى إجابة من المستمع لكنها تجذب انتباهه وتُبلور الأفكار المهمة عبر التوظيف الدقیق للمعلومات التي یرید السیاسي إيصالها، أما الثاني فهو التكرار بمعنى إعادة العبارات والمفردات بطريقة تساعد الخطيب على ترتیب أفكاره.

كاتب عراقي

آخر الأخبار

الحكم بالسجن 9 سنوات لصهر بن علي في قضية فساد مالي

الحكم بالسجن 9 سنوات لصهر بن علي في قضية فساد مالي

الإصلاح التربوي في تونس: أزمة بنيوية تتطلب إعادة التفكير الجذري في المنظومة التعليمية

الإصلاح التربوي في تونس: أزمة بنيوية تتطلب إعادة التفكير الجذري في المنظومة التعليمية

السجن لرجل أعمال ورئيس جمعية رياضية بتهم فساد مالي

السجن لرجل أعمال ورئيس جمعية رياضية بتهم فساد مالي

ريادة الأعمال النسائية في تونس: نحو اقتصاد أخضر وشامل لتحقيق التنمية المستدامة

ريادة الأعمال النسائية في تونس: نحو اقتصاد أخضر وشامل لتحقيق التنمية المستدامة

تونس في المرتبة الثانية في هجرة الكفاءات: أزمة تهدد المستقبل وضرورة استراتيجية وطنية للحد منها

تونس في المرتبة الثانية في هجرة الكفاءات: أزمة تهدد المستقبل وضرورة استراتيجية وطنية للحد منها

Please publish modules in offcanvas position.