رحيل آريس تجربة جريئة في الكتابة عن الحاضر المعاش
تحل الكاتبة والناقدة الليبية فاطمة سالم الحاجي ضيفة بتونس لتوقيع روايتها الجديدة الصادرة عن دار خريّف للنشر بعنوان "رحيل آريس". سيكون للكاتبة موعدان الأول في المكتبة المغاربية ببن عروس الخميس 30 جوان. يؤثث اللقاء الناقدة التونسية هيام الفرشيشي والناقد مراد ساسي ويقدمه الصحفي نورالدين بالطيب. والموعد الثاني سيكون مساء الجمعة في مكتبة الكتابة بشارع الحبيب بورقيبة، وفيه ستوقع الكاتبة روايتها التي تقدم رواية رؤية واعية لما يحصل من صراع في ليبيا والوطن العربي التي زلزلها ما يسمى "الربيع العربي".
وعلى هامش زيارتها لتونس التقى موقع "توانسة" مع فاطمة سالم الحاجي حيث كان لنا معها الحوار التالي:
* لطالما كان الأدب والفن عموما مرآة للشعوب، وفي رواية رحيل آريس تحضر الأزمة الليبية بكل تحدياتها وأشواكها وآلامها، ويحضر بين ثناياها "الهمّ" العربي بمختلف تجلياته في صورة عكست ترابطا غريبا بين ما شهدته المنطقة العربية، وتحديدا الدول المحورية فيها منذ 2011، كيف تقرأ فاطمة سالم الحاجي هذا الترابط، وكيف يمكن الخلاص من تلك السوداوية التي تغطي على سماء هذه المنطقة
- في رواية "رحيل آريس"، هذه الرواية التي اقتحمت الأحداث التراجيدية التي تمر بها ليبيا وكل دول ما يسمى بالربيع العربي" وأنا أسميت هذه الحرب بالـ "الجحيم العربي" تجربة أعتبرها جريئة في الكتابة عن الحاضر المعاش ومحاولة استشراف المستقبل. عادة لا يميل الأدباء الى الكتابة عن الحاضر حتى يصبح ماضيا وتبدو الصورة أكثر وضوحا للأحداث وخلفياتها فيمكن اختيار زاوية للرؤيا، وتكون مغامرة الكتابة أقل خطورة في صدامها مع ما يجري من أحداث .ويسهل تسييس الماضي وتأويله بحرية أوسع.
أما أنا فلم أطق صبرا للتعبير عما أعانيه من هذا الكابوس ولم أستطع الصمت وأنا أرى النيران تأكل أوطاننا وتحرق مستقبلنا، فأردت أن تكون الرواية تحمل شهادتها على الجرائم التي تعرضت لها أوطاننا بينما ينعم الآخر بالسلام والأمان على ضفاف العالم الآخر.
فلم تعد الرواية في نظري أداة لتفسير الأحداث بل هي شاهدة على ما يجري ولم يعد ارتكاز الرواية على أفعال الإنسان وانما على انفعالاته وتقلبات موجات مشاعره في هذا الزمن الاستثنائي الذي نمر به والذي لا يستطيع الانسان العادي ان يعبر عنه بل يضطر الى الاحتفاظ بصوته المكتوم وأحيانا يستعمل القوالب الجاهزة والكلمات الباهتة للتعبير. لا ينقذنا من هذا العدم المحتوم الا الأدب وهنا أخص الرواية التي تكشف أسرار النفس وتجسدها وتكسوها لحما ودما فنرى ويلات الحرب المظلمة التي أكلت حياة الانسان في رقعة الجحيم العربي. حملت روايتي شخصيات متصارعة ولكنها تدخل في" أدب المصالحة" اذا جازت التسمية وإذا استطاع القارئ فك شفرتها وبلوغ أعماقها.
هذه السودواوية لا يمكن تجاوزها بسهولة وستظل هذه العتمة تهدم بريق الفجر لأجيال إلا إذا اتبعنا ما ترسله الرواية من رسائل الحب والاعتلاء على الذات الأنانية واتبعنا طريق" عامر" حسب ما جاء في الخطاب الروائي، فالرواية شاهدة ومشاركة في الحوار وفي بناء الشخصيات حسب دوافعها وأهدافها، ومن الممتع أن ننصت إلى هذا الحوار رغم قسوة الوقائع وحجم الدمار الذي حل بنا. هذا لا يعني انني أمسكت بكل جوانب القضية وهذا ليس من وظائف الرواية ولكنها محاولة لكشف هذه الحرب ليس في معاركها فتلك مهمة التاريخ وانما في الاطلاع على جزئيات مهمة تقع أثناءها ولا يلتقطها المؤرخ، وهي معاناة الروح الإنسانية في هذه الاحداث وإخراج الروح الإنسانية من داخل شرنقة الصمت . لترى الحقيقة خارج إطار الصورة وتلمسها حقيقة متخيلة.
* كلما تجرأ الكاتب وعبر بحرية في ليبيا وفي المجتمعات العربية عموما إلا وتعرض للانتقاد وربما السجن في عهد الأنظمة السابقة، وبعد 2011 صار التكفير تهمة جاهزة لكل من يخالف الرأي، هل جبلت المجتمعات العربية على هذا الكتم والإخراس وهل يمكن وصف هذا "التضارب" بالأبدي، قدر الكاتب أن يكون مثل "عامر" في رواية رحيل آريس. وفي نفس سياق الحديث عن حرية التعبير، هل يمكن أن تكون هناك حدود لهذه الحرية، مثلا بعد 2011 ضار الجميع يتحدث وينقد ويشتم حد الإهانة وهتك الأعراض تحت مسمى "حرية التعبير".
- رغم المشهد المظلم الذي نعيشه لابد أن يطل النور. لابد أن نطرد آريس وأن نضمد جراحنا وان نتحاور بصدق نية للخلاص. لاشك أن الأعداء كثر ولكن جمع الشمل حتى الجزئي سيخلق مناخا جديدا أكثر نورا. المستوى الإدراكي والأخلاقي يسوء في أزمنة الحرب، ولكن بمجرد أن تتوقف هذه الصراعات ويعمل الجميع بروح محبة لبناء الوطن سنعود لليقظة، المهمة ليست سهلة والبناء ليس يسيرا لكن علينا المسير في طرق ليست معبدة مرغمين لمعالجة هذه الأمراض والتشوهات التي طالت الجميع . ومن المؤكد أن هناك من يسعى للبناء وهناك من لديه الرغبة والقوة في إعادة الأوطان إلى أحضان أبنائها ليعملوا جميعا للنهضة والاستقرار.
* كيف استطاعت فاطمة الحاجي الروائية أن تتجاوز فاطمة الحاجي الناقدة وتتحول إلى عالم الرواية بكل تجلياته وتمرده وغموضه، هل يمكن أن نشبه الانتقال بالتمرد أو هو تكامل الناقد والروائي. وإلى أي مدى أثرت تجربة أو حياة فاطمة سالم الحاجي في السنوات الأخيرة، والتنقل من ليبيا إلى تونس ثم تركيا، ووفاة الزوج والرفيق والتحولات في ليبيا في إخراج صوت الروائية "المكبوت".
- لاشك أن هناك فرق بين كتابة النقد وكتابة الرواية . فالميول الأدبية سابقة في تكويني وتربيتي عن النقد فقد نشأت في بيت يهتم بالأدب والشعر فوالدي رحمه الله كان شاعرا مجاهدا صوفيا وإخوتي منهم الشاعر ومنهم كاتب القصة ومكتبتنا كانت عامرة بأمهات الكتب فانكببت على مطالعتها منذ نعومة أظافري هذا ساهم في تشكيل ذائقة شعرية أفصحت عنها ونشرت بعضها لكن لم تكن لتشبع في التوق الى المعرفة. كتبت القصة القصيرة ايضا ونشرت عدة أعمال. اتجهت لدراسة الفلسفة فتفوقت وتابعت طريق البحث النقدي وهو يشكل جانبا مهما في اتجاهي لكن رغم كل النجاح الذي تحصلت عليه في الشهادات العليا وفي دراساتي النقدية لم احقق ما أريد تحقيقه، لان حالتي الاجتماعية ومرض زوجي ومتابعتي له مبعدة عن الوطن حال دون عطائي الا بعض المشاركات العربية في الملتقيات الأكاديمية . أما الرواية فهي المحطة الواسعة التي تسمح للغوص في النفس البشرية بطلاقة فكانت المرفأ الذي استوعب الذات الصارخة في ملحمة إنسانية في الرواية الأولى.
رحيل آريس كنت احترق فترة كتابتها بوجعي الخاص وعجزي عن معالجة زوجي وفي فقدي لابني الوحيد وفي نزف الوطن والحرب تأكل إخوتي وأهلي فكانت المحاولة المتشكلة من أوجاع قاسية. فهي رحلة الاغتراب بين تونس وتركيا لإسعاف زوجي بعد أن بعت بيتي لعلاجه ولكن ارادة الله قضت غير ذلك فعدت الى دفاتري أطرد آريس اله الحرب الذي شردنا جميعا وأدعو الى محراب المحبة والسلام بنشرها لعلها تمسح بعض الوجع.