هو شاعر على درجة قصوى من رقّة الكلمات، صعلوك في قصائده ومتفرّد في غنائه وبلبل في أعالي القصيد ومربك الحرف والأغنيات.. يكتب الشعر الموزون سواء بالعربية الفصحى أو اللّهجة العاميّة، وله صولات في مجال أغنية الطفل حيث كتب ما يزيد عن خمس مائة أغنية وأنشودة ،كما أصدر مجموعتين شعريّتين الأولى بعنوان "في بلاد العنز الطّائر" والثانية بعنوان "اِمرأتان ونصف قمر"، وهو يشغل خطة مكلّف بالعلاقات الخارجيّة برابطة شعراء سيكا، ضيفنا في هذه المساحة الشّاعر والمناضل السّياسيّ الّذي أحرجناه في هذا الحوار، فكان مثالا للهدوء والحكمة والعقلانيّة.
* قبل البدء في الأسئلة المتعلّقة بتجربتك الشّعرية وبقضايا الشّعر والسّاحة... كيف تلخّص تجربتك النّضالية وظروف اعتقالك كسجين سياسيّي زمن حكم بن علي؟
ـ كانت تجربة قاسية جدّا عانيتُ فيها الكثير وامتدّت على أكثر من خمس عشرة سنة بين السّجون والمراقبة الإدارية والتجنيد القصري والحرمان من العمل والاستهداف اليومي والزجّ بالعائلة في أتون "الفجايع" ولكن لم أنحن يوما ولم أتراجع أبدا ولم أقبل أيّ تعويض بعد العفو العامّ.
* أنت تكتب بالعربيّة الفصحى وباللهجة العاميّة.. في أيّ المجاليْن تجد نفسك أكثر؟
ـ لا فرق عندي بينهما، فقط هو شكل يحمل ما تجود به قريحتي وهو مجرّد محمل لأرصف ما تيسّر من صور شعرية على ذاك البساط إنّما بدأت أكتب باللغة العربية الفصحى ثم جاء اللهجة الدّارجة.
* ألا ترى أنّك كسول بعض الشّيء باعتبارك لم تصدر إلى حدّ الآن إلاّ مجموعتين شعريتين فقط؟
ـ كسول؟ لا أعتقد ذلك، بل هي في البدايات موانع النّظام السّابق لي من النّشر، سيما وأنه كان يخضع لترخيص من الدّاخليّة ثمّ فيم بعد دور النّشر في تونس التي تأخذ حقوق التّأليف وتعطيك مائة نسخة وتستأثر هي بكلّ شيء ممّا اضطرّني للنّشر على نفقتي وهو مكلف جدّا وأقول لك إنّه لديّ الآن أربع مجموعات شعرية فصحى وتقريبا مثلها دارجة وروايتان ومسرحية ذهنيّة وغير ذلك من المخطوطات، إنّما المشكلة هي النّشر.
* في رصيدك أكثر من خمس مائة أغنية للطّفل، فلماذا لم تفكّر في إصدر مجموعة شعرية للأطفال أو أكثر؟
ـ هو حلم يراودني منذ زمن بعيد وأرجو أن أوفّق في تحقيقه عن قريب فالنّاشئة لهم حقّ كبير علينا لقراءة أشعار ذات مستوى تربوي موجّهة لهم.
* ماذا أضفتَ من موقعك كعضو مكلّف بالعلاقات في رابطة سيكا الشّعريّة ؟
ـ أريد أن يكون السّؤال هكذا: ماذا ستضيف رابطة شعراء سيكا للمشهد الشّعري؟
نحن مجموعة متجانسة بعثنا هذه الرّابطة للوجود كتحدّ منّا، فالرابطة ضدّ التّرذيل والتّبئيس والتّطبيع الثّقافي، ونطرح على أنفسنا جبهة فنيّة ثقافيّة ترتقي بالمشهد الثّقافي عموما في تونس وفي العالم، وقد كوّنا بعد علاقات كثيرة ستنعكس لاحقا على كلّ تظاهراتنا الثّقافية شعرية كانت أو غيرها.
* يُقال انّ رابطة شعراء سيكا أضافت لك أكثر ممّا أضفتَ لها، فكيف ترد على ذلك؟
ـ هذا من تحصيل الحاصل أنا مفرد وسيكا جمع، والجمع دائما يغلب المفرد.
* ما هو تقييمك للسّاحة الشّعريّة التّونسيّة؟
ـ هي في مخاض عسير وغثّها أكثر بكثير من سمينها، وستنجلي وتتبلور ولا يبقى ويدوم سوى الجيّد، ولكن علينا أن نسرّع في ذلك بتحييد الرّديء.
* ما رأيك في نتائج مسابقة جائزة الدّولة للإبداع في مجال الشّعر الّتي تمّ الإعلان عنها مؤخّرا؟
ـ الإعلان عنها في السّنة الفارطة للأسف كان مقرونا بخدعة ضلّلت كلّ الجيّدين من الشّعراء، فلم يشارك غير من أرادته إحداهنّ أن يشاركوا، أمّا هذه السّنة فأرجو أن تذهب للأجدر والأولى، وإلاّ يا خيبة المسعى وبئس الجائزة.
* أنت تكتب القصيدة العموديّة وقصيدة التّفعيلة، فما رأيك في قصيدة النّثر؟
ـ أعتقد أنّها سبب من أسباب تدهور الشّعر والشّعرية بسهولة كتابتها، وكلّ من هبّ ودبّ يخربش فقرة ويوزّعها بصريا كالكتابة الشعريّة ويصبح شاعرا.
* يقال انّ أعذب الشّعر أكذبه فماذا تقول أنت؟
ـ هناك من هذا، ولكنّ الشّعر ديوان الحضارات والأبقى بصدقه وتوجّهه للحقّ والعدل والأسمى وهو محرّك رائع للأحاسيس والرّؤى.
* بعيدا عن المجاملة ما رأك في الشّعراء الآتي ذكرهم؟
ـ دم فتحي: شاعر كبير له تاريخه، وصوره الشّعرية تكاد تقترب من الترقرق صفاءً.
ـ نور الدين بن يامينة: ممتاز، فهو شاعر مُجيد يعرف كيف يُكتب الشّعر فصحى ودارجة.
فضيلة الشّابي: مناضلة كبيرة ونضالها طغى على شاعريّتها.
ـ المهدي القاطري (الحلاج الكافي): صديقي وحبيبي، وله بصمة متفرّدة في الكتابة باللهجة الدّارجة نابعة أصلا من الشّمال الغربي.
ـ مريم خضراوي: فراشة سيكا الجميلة (كمنديل العرس لا يجرح خدّا) كتابة والقاءً.
* ختاما ماذا تقول؟
ـ شكرا عادل الهمّامي على الاهتمام الجميل ولك الألق دائما وتحياتي لكلّ قرّاء "توانسة" على المتابعة، وأختم بمقطع من قصيد بعنوان "صندوق البريد":
"تَهْمي الدّموعُ
على محاجرِ محنتي
وأتوق للصّبرِ المُعنَّى
أرسمُ الأيّامَ بالأوجاعِ
أرقى إلى حزني فريدًا
يشرق النّورُ المُكنّى
فوق وجْهِ العمرِمثل السّاعي
وتراقصُ الأطيافُ نبضي
كلّهُ في القصدِ أضحى أنتِ
يا كلَّ الرُّؤى والباعِ
يا كلّ مُعْضِلتي بقُطرِ الأرضِ
يا مَسْرَى الشّعورِ الضّاحكِ المُلتاعِ
يا مُتعتي في الجرحِ
يا ذاكَ الأثيرِ النّاعي
يا لوعتي في العشقِ
والأنفالُ في الأسحار
تكتبُني بريدًا
خطّهُ السّاعي
على أوراقِ حزنِ السّاع".