اتخذت الدوحة من الجماعات الإسلامية التي تمولها وكانت أحد أسباب أزمتها مع جيرانها أداة للدفاع عن سياستها وهي الخطوة التي لاقت استغراب المحللين السياسيين الذين رأوا أنها تعكس حجم الارتباك الذي باتت تعيشه بعد أن نجحت دول الخليج في إحكام مقاطعتها لقطر.
العرب منى المحروقي وآمنة جبران [نُشر في 2017/06/14، العدد: 10663، ص(4)]
تونس - تحاول الدوحة الاستنجاد بأذرعها الإسلامية في المنطقة وبالذات حركة الإخوان المسلمين لفتح ثغرة أمام تشدد الدول المقاطعة لها وتمسكها بتنفيذ الدوحة لكامل شروطها وفي مقدمتها التوقف عن التآمر على جيرانها ودعم الحركات الإرهابية.
وبدأت قطر الاستعانة بشخصيات إسلامية للدفاع عن سياستها في ظل سياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها منذ بدء الأزمة.
وبعد أن استنجدت بوضاح خنفر القيادي في حركة حماس والمدير السابق لقناة الجزيرة، لجأت الدوحة إلى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية.
وتوجّه الغنوشي بنداء إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بـ”أن يجمع كل أبنائه مجددا على طريق واحدة”، بما يؤدي إلى حل الأزمة الراهنة بين دول خليجية ودولة قطر.
وفُهمت تصريحات الغنوشي على أنها دعوة ضمنية للسعودية إلى قبوله وسيطا لحل الأزمة القائمة بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية.
وعمد رئيس حركة النهضة إلى التخفي وراء العلاقات الرسمية التي تربط تونس والسعودية لتبرير دعودته إلى الوساطة قائلا “كانت للمملكة علاقات جيدة مع تونس قبل الثورة وبعد الثورة وهي مركز قبلة كل المسلمين”.
كما سعى للإيهام بأنه يقف على مسافة واحدة من أطراف الأزمة الخليجية بتبني الموقف الرسمي للخارجية التونسية، متناسيا أنه كلف ابنته سمية بمهاجمة الموقف الخليجي من قطر بشدة.
لكن الغنوشي الذي يبدو أنه عوّل على زيارة بروتوكولية أداها سابقا إلى السعودية والتقى خلالها الملك سلمان بشكل غير مخصوص، أغفل أن تنظيم الإخوان المسلمين الذي تنتمي له حركة النهضة هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت دول الخليج إلى مقاطعة الدوحة.
وحصر الغنوشي الأزمة بين السعودية وقطر وتجنب ذكر بقية الدول وخاصة الإمارات التي لم تتوقف المنابر الإعلامية المحسوبة على الإسلاميين بكيل التهم إليها.
ويستبعد مراقبون وسياسيون تونسيون إمكانية أن تفتح تلميحات الغنوشي مدخلا مع السعودية للحديث في الأزمة الخليجية كانت أغلقته في وجه وساطات أهم وفي مقدمتها الكويت.
وقال القيادي في حركة مشروع تونس الصحبي بن فرج إن دور الغنوشي وكل جماعات الإسلام السياسي قد انتهى.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الغنوشي لا يقدر أن يضيف أي شيء في الأزمة الخليجية ولا أعتقد أن أي منظمة أجنبية عن الخليج مهما كان قربها من أحد الأطراف قادرة على تسوية الخلافات وبصفة خاصة حركة النهضة ورئيسها
الغنوشي”.
وأرجع بن فرج عجز الغنوشي عن لعب دور الوساطة في الأزمة الخليجية لاعتبار السعودية والإمارات حركة النهضة طرفا في الصراع. وقال “لو كانت هناك مداخل للسعودية لدخلت منها الكويت وسلطنة عمان أو فرنسا أو ألمانيا. العقل السعودي مغلق الآن على أي فكرة أو وساطة أو مساومة لإنهاء الأزمة”.
وتتهم أطراف سياسية وحقوقية تونسية قطر بدعم جمعيات خيرية في الفترة التي أعقبت إسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي سنة 2011.
وتتخذ هذه الجمعيات التي ترأسها شخصيات محسوبة على تيار الإسلام السياسي وبعضها مقرب من حركة النهضة من الأعمال الخيرية غطاء للهدف الرئيسي منها المتمثل في تغذية التشدد وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر للقتال كسوريا وليبيا.
وتقول السلطات التونسية إنها فتحت تحقيقا في ما يتعلق بأنشطة الجمعيات الخيرية وتحرك بعض الشخصيات القطرية المتهمة بدعم الجماعات الإرهابية في ليبيا بالمال والسلاح انطلاقا من تونس.
وقال المحلل السياسي التونسي فريد العليبي إن الغنوشي يحاول إظهار حرصه على مصلحة الطرفين في الأزمة الخليجية كما يريد الظهور بمظهر الحكيم والمستمسك بعروة الدين وصاحب الخطاب المسؤول، غير أنه لن يتردد في الانحياز علنا إلى قطر وتركيا اذا سارت الأوضاع نحو
الانفجار”.
وأوضح في تصريح لـ “العرب” أن “قواعد حركة النهضة في تونس تعلن انحيازها إلى قطر على حساب السعودية والإمارات في مسعى لرد الجميل إليها والمراهنة على بقائها مصدرا دائما للدعم”.
ودفعت حركة النهضة بقواعدها منذ بدء الأزمة لشن حرب على خصوم الدوحة بلغت حد تدخل سمية ابنة الغنوشي بكتابة مقالات تكيل فيها التهم إلى خصوم قطر، في حين اكتفت الحركة رسميا بمساندة الموقف التونسي الذي دعا إلى حل الخلافات بالحوار.
ويرى العليبي أن في سعي الغنوشي لإنقاذ قطر سعيا ضمنيا لإنقاذ حركته إذ “يدرك جيدا أنه في حال تواصل الخلاف وبلوغ نقطة اللاعودة فإن حركته ستتأثر ويمكن أن تصنف منظمة إرهابية وهناك ملفات ثقيلة متصلة به يمكن أن تفتح في تونس”.
ويرجع مراقبون استنجاد الدوحة برموز إسلامية تعد منظماتها أحد أبرز أسباب اندلاع الأزمة إلى حجم الارتباك الذي باتت تعيشه في ظل تعنتها واشتداد الخناق عليها بعد المقاطعة الخليجية.
وتحاول قطر تدويل الأزمة وهو ما تعكسه الزيارات المكوكية التي قام بها وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى فرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا.
وقلل بن فرج من أهمية تلك الزيارات قائلا “أعتقد في نهاية الأمر أن قطر ستستجيب لشروط السعودية فليس أمامها أي خيار”.
وأضاف أن “الوساطات لن تمنح قطر فرصا للهروب من الشروط فالشروط ليست سعودية فقط بل دولية تدعمها الولايات المتحدة، وفي جميع الحالات الدور القطري انتهى والدوحة ستتنازل عن دورها وعن الإخوان المسلمين”.