اعتبر المحلّل الإسرائيلي عاموس هرئيل، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، الخميس، أن الغارة التي استهدفت فجراً "مركز الدراسات والبحوث العلمية" ومخزناً مجاوراً لصواريخ أرض-أرض قرب بلدة مصياف السورية في حماة، هي في الدرجة الأولى رسالة اسرائيلية إلى روسيا والولايات المتحدة، تفيد بأن تل أبيب لن تتردد في زعزعة الهدنة السورية، بحال واصلت واشنطن وموسكو تجاهل المصالح الإسرائيلية.
ويرى هرئيل أن الغارة، التي نُسبت إلى سلاح الجو الإسرائيلي، هي "استثنائية"، من ناحية الهدف والتوقيت. مذكراً بتصريح سابق ألقاه قائد القوات الجوية الاسرائيلية عمير اشيل، يقول فيه إن اسرائيل هاجمت مواقع متفرقة في سوريا، خلال السنوات الخمس الماضية، لما يقارب الـ100 مرة. ويتابع هرئيل أن معظم هذه الغارات شُنّت لمنع تعزيز قوة حزب الله، وميليشيات أخرى، في سوريا.
لكن في الضربة الأخيرة في حماة، وبحسب التقارير الواردة من سوريا، فإن الهدف هو حكومي سوري: مصنع للأسلحة الكيماوية، أو وفقاً لتقارير متعددة، مصنع للصواريخ يديره نظام بشار الأسد، عوضاً عن مستودعات أو قافلات أسلحة تابعة لحزب الله.
أما لجهة التوقيت، فأتت الغارة الاسرائيلية، في وقت حساس. ففي نهاية تموز/يوليو الماضي، توصل نظام الأسد وفصائل المعارضة- برعاية روسية- إلى هدنة جزئية في مناطق عديدة. وبالرغم من تواصل القتال على جبهات عديدة، فإن حدة المواجهات تراجعت بشكل أعطى النظام السوري استقراراً متواصلاً، علماً بأنه كان على حافة الانهيار قبل عامين.
ويتابع هرئيل أن الولايات المتحدة، التي تراجع اهتمامها بسوريا، انضمّت إلى المبادرة الروسية، لكنّ موسكو وواشنطن لم تراعيا الاحتجاجات الاسرائيلية بأن اتفاق التهدئة في الجنوب السوري، لم يطالب ايران بسحب قواتها والميليشيات الموالية لها، من مرتفعات الجولان.
وبالتالي، فإن الغارة الاسرائيلية المزعومة على حماة، وهي الأولى من نوعها منذ التوصل إلى اتفاق التهدئة، قد تُفسّر بأنها رسالة اسرائيلية إلى القوى الكبرى في سوريا، أي روسيا والولايات المتحدة تقول: "ما زلتما بحاجة إلى أخذ مصالحنا الأمنية في الاعتبار. ونحن قادرون على تعطيل عملية التسوية المستقبلية في سوريا إذا كنتما تصران على تركنا خارج الصورة".
ويلحظ المحلل الاسرائيلي أنه منذ الغارات الاسرائيلية الأولى في سوريا، عام 2012، أظهرت دمشق "ضبط نفس" ولم تردّ، باستثناء حادثة واحدة في آذار/مارس الماضي، عندما أطلق النظام السوري صواريخ على طائرات إسرائيلية، بعد غارات شنّتها بالقرب من مدينة تدمر.
إذاً، في البداية تجاهل النظام السوري بشكل كامل الضربات الإسرائيلية، وفي مرحلة لاحقة بدأ باتهام اسرائيل بشنّ الغارات بل هدد بالردّ، لكنه لم ينفذ تهديداته، والسبب واضح: آخر ما أراده الأسد هو جرّ إسرائيل إلى المعركة وقلب موازين القوى لمصلحة مقاتلي المعارضة.
لكن الآن، وبحسب هرئيل، تغيّرت الظروف. الأسد أكثر ثقة ببقائه في السلطة، ويحظى بدعم كبير من روسيا وإيران. ويتعيّن على اسرائيل، في هذه المرحلة، ترقّب كيف ستستقبل كل من واشنطن وموسكو وطهران، التطورات الأخيرة في سوريا، التي تأتي بعيد إجراء الجيش الإسرائيلي مناورة حول سيناريو حرب مع حزب الله.
وبالرغم من إعلان اسرائيل أن هذه المناورة كانت مقرّرة قبل عام من اليوم، فإن هذا التمرين على الحرب يقلق قيادات حزب الله، بصرف النظر عن إعلان قناة "المنار"، الأربعاء، أن حزب الله لا يخشى اندلاع الحرب. فإلى حدّ كبير، حزب الله كما اسرائيل، متخوفان من حرب جديدة ويفضلان تجنّبها، لكن في الشرق الأوسط، أحياناً تجري أحداث لم تكن مقصودة.
ويذكّر عاموس هرئيل أن غارة حماة حصلت بعد 10 أعوام من استهداف اسرائيل منشأة نووية لكوريا الشمالية في شرق سوريا، ويتابع: "في تلك المرة (شُنّت الغارة أيضاً خلال مناورة عسكرية كبيرة للقوات الجوية الإسرائيلية) تم تجنّب الحرب. نأمل أن يحدث ذلك في هذه المرة أيضاً".