الرئيس التركي يدافع عن خاشقجي بيد ويسجن الصحافيين باليد الأخرى ويستخدم آلة الدعاية لمساومة الرياض.
لندن - يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصوير نفسه باعتباره المدافع الأول عن حرية الصحافة والحريص على كشف الذين قتلوا عمدا الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، لكن هل كان ليفعل الشيء نفسه لو أن خاشقجي كان صحافيا قطريا وقتل في القنصلية القطرية هناك؟
وتحيل الإجابة على هذا السؤال إلى سلوك سياسي لطالما انتهجه أردوغان تجاه وسائل الإعلام التركية، التي مثلت أحد الأركان الأساسية في استمرار حكمه، منذ أن وضع خطة محكمة للسيطرة على الإعلام التركي عام 2007.
ومع مرور الوقت تراجعت تركيا على مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2018 إلى المرتبة الـ157 من إجمالي 180 دولة. وتنزع هذه الحقيقة صفة “المبدئية” عن مواقف أردوغان في ما يتعلق بمقتل خاشقجي، الذي يريد تحويله إلى أداة ضغط على السعودية، من خلال استغلال “حملة كشف الحقيقة” في بلد أكثر ما يغيب فيه تحت حكم أردوغان هو الحقيقة.
ودحض إلهان تانير، رئيس تحرير النسخة الإنكليزية من موقع “أحوال تركية” الصادر باللغات التركية والإنكليزية والعربية، مصداقية أردوغان، الذي يجمعه تحالف وثيق مع قطر، بناء على مواقفه الشخصية ومقاربة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم تجاه وسائل الإعلام في الداخل التركي.
وقال تانير، متهكما على تحمس أردوغان إزاء كشف الحقيقة خلف مقتل خاشقجي، بينما كان يتحدث إلى مراسل صحيفة الغارديان البريطانية، “لا تخلط بين خطاب أردوغان بخصوص خاشقجي وحرية الصحافة، لأن الاثنين لا علاقة لأحدهما بالآخر. إنها وسيلة لتحقيق غاية سياسية. إذا قتل صحافي قطري داخل القنصلية القطرية لم يكن ليحظى بكل هذه التغطية والدعم التركيين”.
وهناك سبب يقف خلف ذلك، وهو أن أردوغان لا يرى في أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عقبة كبرى في وجه مشروعه الإقليمي القائم على الاعتماد على مد تيار الإسلام السياسي لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية. لكنه يرى في ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الشاب الذي يتوقع أردوغان بقاءه في حكم السعودية لعقود قادمة، منافسا كبيرا لرؤيته، يحمل مشروعا مضادا تماما.
وإذا كان الصحافي الذي قتل قطريا لكان أردوغان أول من يزور الدوحة تعبيرا عن دعم قطر في مواجهة “حرب إعلامية” تقف وراءها “دول الحصار”، التي تحاول “تقويض مشروع قطر واستقلالها”، ولكانت وسائل الإعلام التركية، التي تحولت إلى مكون مركزي لاستراتيجية أردوغان لتحقيق مكاسب استراتيجية من خلال القضية عبر تسريبات انتقائية وتدريجية لها، قد شنت حملة دعم واسعة النطاق لقطر ومواقفها، في وجه “الظلم” الذي تتعرض له، ولكان الرئيس التركي لعب دورا محوريا في تخفيف الضغط الأميركي، عبر محاولة إقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب بـ”الإبقاء على الشيخ تميم كأحد حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين” في المنطقة، كما فعل إبان فرض السعودية والإمارات ومصر والبحرين مقاطعة على قطر في يونيو 2017.
ويقول تانير “بعد محاولة انقلاب عام 2016، سارع أردوغان بسجن صحافيين، وتخلص من أي شخص وكل شخص ارتبط بحركة فتح الله غولن، ثم انتقل إلى تطهير الدولة من أي شكل من أشكال المعارضة بأكبر درجة ممكنة. وبجرة قلم، أمر بإغلاق أكثر من 180 منبرا إعلاميا في الأسابيع التي تلت الانقلاب الفاشل”.
وأضاف “لكن اختفاء خاشقجي منح حكومة أردوغان فرصة للظهور باسم حرية الصحافة. فقد أجبر الرئيس التركي كلا من واشنطن والرياض على المساومة من خلال تكتيكات آلة الدعاية التي طورها خلال الأعوام الخمسة الماضية”، مؤكدا أن الغرب “يبدو أنه لن يقدم شيئا سوى الإذعان لرجل تركيا المستبد ومتابعة العرض”.