تركيا تستقبل أول ثلاثة جنود قتلى في ليبيا، فيما يسعى أردوغان لاتفاق جديد مع حكومة الوفاق لتعويض الشركات التركية.
تبين التطورات أن التدخل التركي في ليبيا لن يكون يسيرا وسيكون بعيدا عن الأهداف التي رسمها الرئيس رجب طيب أردوغان إذ بدأت الجمعة أولى خسائر تركيا في ليبيا حيث قتل ثلاثة جنود وأصيب آخرون.
طرابلس - أكدت مصادر مطلعة مقتل ثلاثة جنود أتراك في ليبيا وإصابة ستة آخرين، ما يجعلها أول خسائر تركية في العملية العسكرية بليبيا التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أواخر العام الماضي.
وقالت المصادر إن جثامين الجنود وصلت مطار مصراتة، وأن طائرة تركية خاصة نقلتها الجمعة إلى تركيا.
وكشفت تغريدة نشرها حساب الثورة الليبية باللغة الإنكليزية على موقع تويتر، عن وجود عدد من الجنود الأتراك الجرحى في مستشفى مدينة نالوت (270 كلم غرب طرابلس).
ولم يعرف بعد المكان الذي قتل فيه الجنود الأتراك، في وقت تستمر فيه قوات الجيش الليبي بتضييق الخناق على الميليشيات في العاصمة طرابلس.
واستعانت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج الداعمة للميليشيات بالقوات التركية في معركتها مع الجيش الليبي برئاسة المشير خليفة حفتر.
وكان أردوغان قد قال إن تواجد قوات بلاده في ليبيا يأتي “بناء على دعوة تلقيناها منها (طرابلس)”.
وأكد أن “تركيا ستواصل الدفاع عن حقوقها ومصالحها في العراق وسوريا والبحر المتوسط حتى النهاية”.
واعتبر أن أنقرة أفشلت المؤامرات التي كانت تحاك ضدها في المتوسط، من خلال الاتفاقات التي أبرمتها مع جمهورية شمال قبرص التركية وليبيا.
وتوقعت مصادر تركية أن يثير وصول جثث الجنود الأتراك موجة غضب في الأوساط السياسية والاجتماعية التركية، ويفتح الجدل بشأن مغامرة الرئيس أردوغان في المستنقع الليبي.
ويأتي ذلك إثر تحذير سياسيين أتراك من أن نشر القوات في ليبيا قد ينتهي بكارثة بالنسبة لتركيا. ووصف عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، أونال شفيكوز، مشروع القانون الذي يمنح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحق في إرسال قوات إلى ليبيا بـ”الكارثة” المحتملة.
وقال شفيكوز، أمام البرلمان الخميس الماضي، “الحكومة على وشك وضع تركيا في خطر كبير بهذا القرار”.
وأشار منتقدو أردوغان أيضا إلى تقارير تفيد بأن الحكومة التركية ترسل متشددين سوريين إلى ليبيا مقابل وعود بمنحهم جوازات سفر تركية كمكافأة.
وقامت تركيا بإرسال أعضاء من الميليشيات الموالية لتركيا في سوريا وعناصر المرتزقة للقتال في ليبيا.
وقالت مصادر داخل الجيش السوري الحر إن عددا غير محدد من المقاتلين قد سُجلوا “على أساس فردي”، للعمل “كحراس شخصيين” لصالح “شركة أمنية” تركية في ليبيا.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 300 مقاتل سوري موالين لتركيا نقلوا إلى ليبيا وأن آخرين يتدربون في معسكرات تركية.
وكان الرئيس أردوغان أعلن أن بلاده سترسل “محاربين غير أتراك” إلى ليبيا مع بدء تنفيذ خطة التدخل التركي المباشر في هذا البلد، وسط مخاوف من اتساع النزاع المستمر منذ ثماني سنوات.
ويتزامن وصول الجنود القتلى إلى تركيا مع تداول أخبار مؤكدة عن سعي تركيا لتوقيع اتفاق ثالث مع حكومة الوفاق، بعد اتفاقي ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري، إذ تستهدف أنقرة هذه المرة الحصول على تعويضات من ليبيا بشأن المشاريع التركية المتوقفة منذ سقوط نظام القذافي.
وقال مسؤول إن تركيا تعتزم التوقيع بحلول فبراير على اتفاق تعويض مبدئي بقيمة 2.7 مليار دولار عن أعمال نفذت في ليبيا قبل حرب 2011، وذلك في مسعى لإحياء عمليات متوقفة لشركات تركية في البلد الذي يعاني تحت وطأة صراع.
ونشطت الشركات التركية لوقت طويل في ليبيا، لكن مشاريعها تعطلت بفعل الاضطرابات التي رافقت الإطاحة بمعمر القذافي قبل تسعة أعوام، وتضررت من جديد بسبب القتال الدائر هناك حاليا.
ومن العقبات الكبيرة أمام إعادة إنعاش الاستثمار الضبابية الحالية بخصوص الديون التي لم تُسدد بعد.
وقال مظفر أكسوي رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي الليبي، إن البلدين قريبان من توقيع مذكرة تفاهم.
مقتل ثلاثة جنود أتراك في ليبيا وإصابة ستة آخرين، ما يجعلها أول خسائر تركية في العملية العسكرية بليبيا
وقال أكسوي لرويترز في مقابلة “انتهى العمل على مذكرة التفاهم المتعلقة بالعقود القديمة. وسيجري حل مشكلة الديون التي لم تُسدد بعد، والأضرار وخطاب الضمان”.
وقال إن الاتفاق الذي من المقرر توقيعه في وقت لاحق هذا الشهر أو في فبراير سيشمل خطاب ضمان بمليار دولار إلى جانب 500 مليون دولار عن الأضرار التي لحقت بالآلات والمعدات إضافة إلى ديون غير مسددة بقيمة 1.2 مليار دولار.
وأضاف أكسوي أنه في ظل توقف المشاريع في ليبيا في الوقت الراهن بسبب القتال، فإن قيمة تأخيرات الأعمال التركية المتعاقد عليها في ليبيا تصل إلى 16 مليار دولار، بما في ذلك ما بين 400 و500 مليون دولار لمشاريع لم تبدأ حتى الآن.
وتدعم أنقرة حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج، إذ تعتبر الطرف الليبي الذي يسمح لها بحماية أهدافها ومصالحها هناك كما يسمح لها بتنفيذ مخططاتها في دعم الجماعات الإسلامية وترسيخ موطئ قدم لها في هذا البلد الغني بالنفط.
وقالت قوات الجيش الليبي التي يقودها المشير خليفة حفتر الخميس إنها لن تتوانى في حملتها العسكرية على الفصائل المناوئة في العاصمة طرابلس.
وقال أكسوي إنه رغم الاضطرابات، ما زالت التجارة الليبية التركية نشطة، إذ تبلغ صادرات تركيا إلى ليبيا ملياري دولار سنويا والواردات 350 مليون دولار.
لكن المتعاقدين الأتراك على مشاريع في ليبيا عاجزون عن السفر إلى البلد منذ أبريل بسبب القتال.
وقال أكسوي “جرى توقيع عقود جديدة، لمشاريع مثل محطات طاقة وإسكان ومراكز تجارية. جرى توقيع خطابات ائتمان لبعضها. لكن ليسوا (المتعاقدون) بمقدورهم الذهاب منذ أبريل لأسباب أمنية”.
وتسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها السياسي في ليبيا من خلال حكومة السراج التي تحيط نفسها بجماعات إسلامية موالية لأنقرة.
وتسود طرابلس حالة من الغضب بعد الاتفاق الأخير بين حكومة الوفاق وتركيا والذي يسمح لأنقرة ببناء قواعد عسكرية وجلب الجنود، وهو ما أثار غضبا إقليميا ودوليا زاد من عزلة طرابلس في محيطها العربي، في وقت باتت فيه حكومة الوفاق تبحث عن تنفيذ أجندات خارجية لا مصلحة لليبيين فيها.