السوريون الذين هربوا من الحرب في بلادهم ولم يُوَفّقوا في الوصول إلى ملاذ آمن، ظلوا سجناء المزاج الأردوغاني حيث لا شيء يضمن لهم العيش الكريم في ظل شهية مفتوحة على الحروب.
لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضاعة جاهزة للتصدير. وهي بضاعة تعيدنا إلى عصور العبودية. السوريون هم تلك البضاعة كما لو أن كوارثهم لا تكفي.
لقد سبق لأردوغان أن ابتز أوروبا باللاجئين السوريين وقبض الثمن. وها هو اليوم يعلّبهم ويرسلهم إلى ليبيا لينضمّوا إلى ميليشيات طرابلس.
مشروع أردوغان لا يمكن النظر إليه بمعزل عن معتقدات الرجل الشخصية. غير أن ذلك لا يكفي لكي يكون مسوّغا للتدخل في مشكلة صارت عبارة عن ملف حظي باهتمام المجتمع الدولي بتشعّب مصالح أطرافه واختلافها.
ذلك يعني أن ورقة التدخل التركي لم تكن جاهزة قبل أن تشعر الميليشيات في طرابلس بأن مصيرها صار معلقا في الهواء، وأن أطرافا دولية تخلت عنها بعد أن كانت تحتضنها.
غير أن ذلك كله يمكنه ركنه جانبا حين النظر إلى حجم المأساة السورية التي صارت عبارة عن منجم للإرهاب.
فالسوريون لعبت بهم الأقدار صاروا رهائن تتبادلها التنظيمات الإرهابية باعتبارهم أدوات قتل، بعد أن تركوا مزارعهم ومصانعهم وقراهم نهبا لرياح الشر التي كان أردوغان ومن خلفه أجهزة مخابرات عديدة تنظم اتجاهاتها وتهبها أقنعة تضفي عليها نوعا من الاستقلالية.
ولكن بالعودة إلى دوافع أردوغان الشخصية التي تتمحور حول استعادة الخلافة العثمانية في إطار جديد يمكننا الإنصات إلى كلمات أبي بكر البغدادي الذي أعلن خلافته من ولاية الموصل.
كان أردوغان والبغدادي يسيران في اتجاه الهدف نفسه.
خلافة البغدادي هي بالنسبة إلى أردوغان حلم مؤجل، يُسخّر الرجل من أجله كل ما لديه من أساليب الحيلة والخداع والمكر، وصولا إلى القيام بممارسات لاإنسانية لا تضع اعتبارا لكرامة الإنسان.
فالسوريون الذين هربوا من الحرب في بلادهم ولم يُوَفّقوا في الوصول إلى ملاذ آمن، ظلوا سجناء المزاج الأردوغاني حيث لا شيء يضمن لهم العيش الكريم في ظل شهية مفتوحة على الحروب.
وإذا ما كان السوريون الهاربون قد اكتشفوا مبكّرا أن الحرب التي وقعت في بلادهم هي ليست حربهم بل هي حرب ترعاها أجهزة مخابرات دولية يقوم أردوغان بالتنسيق بينها، فإن قَدَرهم جعلهم يقعون بين فكّي الوحش الذي ما إن هزمت تنظيماته الإرهابية في سوريا وفي مقدمتها داعش حتى صار يتلفّت بحثا عن أرض أخرى يمارس عليها شروره.
وها هو يجد في ليبيا مساحة مفتوحة له بعد أن تلقّى الدعوة من التنظيمات الإرهابية التي تحكم في طرابلس. المعلن من الأمر يركز على ما هو عقائدي، غير أن الحقيقة تذهب أبعد من ذلك.
فأردوغان المؤمن بعقيدة الإخوان المسلمين هو في الحقيقة متعهد حفلات قتل، وهي صفة اكتسبها من خبرته في إدارة التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق. وهو عن طريق تلك المهنة إنما ينجز عمليْن صار يعتبرهما ضمانة لتكريسه شخصية عالمية.
يخدم أردوغان أجندة التنظيم العالمي للإخوان الذي يعتقد البعض أنه صار على مقربة من أن يُتوّجَ رئيسا له، وفي الوقت نفسه فإنه يقدّم خدمات مقنعة لأجهزة مخابرات دولية تسعى إلى إدامة الأزمات في مواقع عديدة من العالم العربي.
ولأن أردوغان صار مطمئنا إلى أن المجتمع الدولي لن يعرضه للمساءلة بسبب سلوكه الإجرامي في رعاية التنظيمات الإرهابية وتدريبها وفتح حدوده أمامها، فإنه صار يعلن عن قيامه بتجنيد المرتزقة وتأسيس شركات أمنية تكون مهمتها الرئيسة المساهمة في نشر الإرهاب.
غير أن المرتزقة الذين وقع اختياره عليهم هم رهائنه السوريون. تلك جريمة مزدوجة. ليس الإغراء المادي وحده هو ما يدفع أولئك الضائعين للتضحية بأنفسهم في حرب لا يعرفون عنها شيئا. بل إن خوفهم من أن يُطردوا من تركيا قد يكون هو السبب الرئيس.
لذلك فإن أردوغان يقيم شركاته الأمنية على أساس استعباد السوريين، وهو ما يمكن أن يشكّل جريمة ضد الإنسانية.
فاروق يوسف
كاتب عراقي