مصادر سياسية تشكك في أن تخرج الآلية الأفريقية بحصيلة مؤثرة في الأزمة الليبية، لأنها وقفت عاجزة على مدار ثماني سنوات ولم تفعل شيئا تقريبا.
القاهرة – عادت الحياة إلى لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى حول ليبيا، لتعقد اجتماعا في برازافيل، الخميس، وبدأت بعض القوى من داخل القارة وخارجها تشجع على استئناف دورها وحضها للدخول من جديد على خط الأزمة، وهي تدرك أن اللجنة وقفت عاجزة من قبل أمام حل الخلافات. لذلك يثير استئناف دورها الكثير من علامات الاستفهام منذ حضور رئيسها دنيس ساسو نجيسو، رئيس دولة الكونغو برازافيل، مؤتمر برلين في 19 يناير.
وتم استدعاء الرجل فجأة من دون أن يشارك في الجولات التي سبقت المؤتمر، وكأنه حضر ليكون شاهدا، أو لإيجاد مساحة للآلية التي يرأسها دورا في المستقبل. وفي الحالتين يظل الغطاء الأفريقي حاضرا غائبا، ويتم التلويح به عندما تضيق الخيارات ببعض القوى.
أشارت الرئاسة الكونغولية، إلى أن الاجتماع الذي يعقد الخميس، قبل القمة الـ33 للاتحاد الأفريقي المقرر لها 9 فبراير المقبل، “سيسمح للجنة العليا ولكل رؤساء الدول والحكومات التأكيد على موقف أفريقيا الذي يجنح نحو تشجيع الحوار بين الليبيين من أجل إيجاد حلّ للنزاع قبل أي عملية انتخابية”.
وجهت الكونغو دعوات رسمية إلى رؤساء دول وحكومات أعضاء اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، وتضم: مصر والجزائر وتونس والنيجر وتشاد وجنوب أفريقيا، لحضور الاجتماع الثامن في برازافيل.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها “العرب”، إلى حضور وفد برئاسة مساعد وزير الخارجية المصري، كما يمثّل ليبيا وفدا يضم فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، والإخواني خالد المشري رئيس مجلس الدولة الاستشاري، وغياب الرجل القوي المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي.
أعلنت الجزائر، الأربعاء، أن وفدها يرأسه عبدالعزيز جراد رئيس الوزراء، كممثل عن الرئيس عبدالمجيد تبون الذي يحرص على استعادة نشاط بلاده في الأزمة الليبية، وتأكيد دورها بعد استضافة لقاء تشاوري لوزراء خارجية دول جوار ليبيا الأسبوع الماضي.
الآلية الأفريقية وقفت عاجزة على مدار ثماني سنوات ولم تفعل شيئا تقريبا وتم سحب البساط من تحت أقدامها
ودعا الاجتماع التشاوري، الأطراف الليبية للمشاركة في مسار الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة الاتحاد الأفريقي ودول الجوار الليبي، والتوصل إلى حل شامل للأزمة، بعيدا عن التدخلات الخارجية.
أشار عمرو موسى، رئيس ما يسمى بـ”هيئة الحكماء” في الاتحاد الأفريقي، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، في تصريحات صحافية، إلى وجود “نية لزيادة مشاركة الاتحاد الأفريقي في حل المشكلة في ليبيا، وليس هناك أسباب أو منطق حتى تكون أوروبا مساهمة في هذه الأزمة أكثر من الدول الأفريقية، فليبيا دولة أفريقية”.
بصرف النظر عما يقصده بالضبط عمرو موسى من كلامه، وهل جاء عن قصد وسوء نية أم لا، غير أن هذه هي النغمة التي ترددها بعض القوى للدخول على خط الأزمة وخلط أوراقها الحالية وإطالة أمدها، وفتح الباب لتوسيع دور بعض الأطراف.
كشفت مصادر سياسية، أن الحيوية التي دبت في الآلية الأفريقية جاءت وسط نشاط أممي كبير، واهتمام واضح من قبل قوى دولية عديدة، وظهرت تجلياته قبيل وفي أثناء وبعد مؤتمر ألمانيا، في شكل المزيد من التركيز على الأزمة الليبية، وتم وضع مجموعة من الضوابط العامة التي تحصر الدور المركزي في الأمم المتحدة، وهناك جهود تبذلها بريطانيا وألمانيا لاستصدار قرار من مجلس الأمن يضفي قوة مضاعفة على مخرجات مسار برلين.
شككت المصادر ذاتها، في إمكانية أن تخرج الآلية الأفريقية بحصيلة مؤثرة في الأزمة الليبية، لأنها وقفت عاجزة على مدار ثماني سنوات ولم تفعل شيئا تقريبا، وتم سحب البساط من تحت أقدامها عندما عجزت عن التعامل مع التطورات المتلاحقة، حتى فقدت بريقها كغطاء إقليمي يمكن أن يحقق اختراقا في قضية عميقة.
يعود الزخم المفاجئ في الآلية الأفريقية، حسب كلام المصدر لـ”العرب”، إلى نشاط خفي تقوم به كل من قطر وتركيا لتثبيت موقف السراج المتذبذب ودعم المتشددين والعصابات المسلحة وإبعادهم عن الملاحقة القانونية من خلال إيجاد مخرج ملائم لتسوية أوضاعهم، ويظل هؤلاء في جوهر العملية السياسية المرشح انطلاقها قريبا برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
يمثّل النشاط الملحوظ الذي تقوم به الجزائر على صعيد الأزمة الليبية، عاملا مهما للتطور الأفريقي الجديد، فلديها اعتقاد أنها من خلال هذه الآلية يمكنها المشاركة بفاعلية في تفاصيل الأزمة، ودفعها نحو الاتجاه الذي يحقق أغراضها الملتبسة، بعد أن أصبحت حائرة في تحديد موقفها، وتتبنّى رؤية عامة وعناوين فضفاضة، أملا في الحافظ على توازنات دقيقة وسط أطراف محلية وإقليمية ودولية، تملك حسابات قد لا تستطيع الجزائر اللحاق بها سريعا.
يضع تشديد غالبية الأطراف الأفريقية على الالتزام بمخرجات مؤتمر برلين والحفاظ على دور الأمم المتحدة، سقفا رمزيا محدودا لأي طموح يمكن أن تبلغه هذه الآلية، فإذا كانت مثمنة لدور القوى الدولية، فما هو الجديد الذي يمكن أن تقدمه على مسار الأزمة الليبية؟
توقع المصدر السياسي الذي تحدثت معه “العرب”، أن تثير هذه الإشكالية خلافات حادة في اجتماع برازافيل الخميس، والذي تدخله بعض الأطراف وهي تعتزم الحصول على نتائج تفتح لها طاقة سياسية لتعظيم الدور (مثل الجزائر)، أو لمزيد من الدعم للسراج وحلفائه، في ظل دعوات تتصاعد بقوة حول اختيار حكومة مستقلّة تتولّى الإشراف على هذه المرحلة التي فقد فيها السراج ما تبقى من رصيد سياسي داخلي، بما يعني ضرب الحسابات التركية في مقتل.
لم يستبعد المصدر حدوث تباين كبير في وجهات النظر خلال اجتماع برازافيل، والسعي إلى إحراج مصر التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي وتستعد لتسليم قيادته بعد أيام، ولا تنكر دعمها للمؤسسة العسكرية الوطنية الليبية، وتتبنى خطابا يقوم على تسوية الأزمة سياسيا.
وأوحت أنقرة ومعها الدوحة لبعض الدول الأفريقية بمساندة حكومة السراج والتركيز على أنه خيار وحيد وقادر على الإمساك بدفة الأمور في هذه المرحلة، وتأمين استمرار وجود الميليشيات في الساحة الليبية على حساب النيل من المشير حفتر كقائد الجيش الوطني، ومجلس النواب الليبي كجسم وحيد منتخب في البلاد حتى الآن.
ان الدفع باتجاه تطوير دور الآلية الأفريقية، دخلت على خطه مبكرا جهات تابعة للنظام القديم، ممن تؤيد فكرة التعاون مع الإسلاميين بألوانهم المختلفة، وهي خطوة تريد قطع الطريق على محاولات ترمي إلى توفيق أوضاع عناصر من نظام العقيد معمر القذافي، وإيجاد مساحة مشتركة لتضييق الفجوة بينهم، وتكون نواة أو قوة وازنة لدعم الجيش الوطني الليبي في مواجهة تحالف السراج – تركيا – قطر – الميليشيات خلال المرحلة المقبلة.
محمد أبوالفضل
كاتب مصري