من المقرر أن يصل وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درامانان إلى تونس الأسبوع الجاري في أعقاب الهجوم الإرهابي الدموي الذي هز مدينة نيس على يد متشدد تونسي، بعد أيام فقط من مقتل المدرس صامويل باتي في ضواحي باريس.
وتؤشر الزيارة في هذا التوقيت على تفاهمات جديدة بين البلدين ترتبط بمكافحة الإرهاب وملف الهجرة الشائك وعمليات الترحيل المتوقعة لمهاجرين تونسيين مقيمين بصيغ غير قانونية، وأساسا الذين يشكلون مخاطر أمنية على البلاد.
ويعد الهجوم الذي أوقع ثلاثة قتلى في كنيسة نوتردام في نيس، الثاني من نوعه خلال أعوام قليلة بعد الهجوم المروع في عام 2016 في نفس المدينة والذي خلف أكثر من 80 قتيلا دهستهم شاحنة كان يقودها أيضا تونسي ينتسب لتنظيم داعش المتطرف.
ويسلط هذا اليوم المزيد من الضغط على الجالية التونسية في فرنسا والتي يقدر تعدادها بأكثر من 600 ألف مهاجر، فيما يضع العلاقات بين البلدين على المحك.
وعلى الرغم من الجو المشحون في فرنسا وعموم أوروبا، يستبعد خالد عبيد، المؤرخ الجامعي بجامعة منوبة والمحلل السياسي، أن يؤدي ذلك إلى تضرر العلاقات بين البلدين، مضيفا :”نحن أمام مسائل محسوم فيها، تونس لا تقبل بأن يرتكب تونسي جرائم في فرنسا ويتسبب في مقتل أبرياء والعكس أيضا صحيح”.
وقال عبيد لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن”الأمر لا يتعلق بالنظر في مستقبل العلاقات، ولكن فيما إذا كانت تونس ستقبل بترحيل متطرفين تونسيين من التراب الفرنسي أم لا”.
وأضاف :”مبدئيا لا يبدو أن هناك مانعا من الجانب التونسي لاستقبال التونسيين، لكن السؤال هو ان كان هؤلاء المزمع ترحيلهم كلهم متطرفون أم لا، هنا يتعين على السلطات الفرنسية إثبات ذلك بحجج فعلية”.
ويخشى نشطاء حقوق الانسان في تونس والمدافعون عن حرية التنقل في أن يتحول هجوم نيس إلى ذريعة لشن حملة ترحيل جماعية، ومن ثم يؤخذ الآلاف من التونسيين المخالفين لقانون الإقامة بجريرة المتطرفين.
ويتوقع رمضان بن عمر، العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والذي يعنى بالهجرة، عمليات ترحيل مكثفة ومزيدا من القيود على الهجرة والمهاجرين القادمين من تونس، أو حتى أولئك الذين يملكون إقامات دائمة في فرنسا.
وقال بن عمر لـ”. ب.”: “غالبا ما تكون مثل هذه الأحداث الأليمة مطية لليمين المتطرف في فرنسا، وحتى باقي الدول الأوروبية لتحصيل مكاسب سياسية وإعادة التموقع، وقد لاحظنا حملات من أجل أن تتبني الحكومة سياسات متشددة مع المهاجرين وحملات ضد النشطاء المدافعين عن حقوق المهاجرين”.
وأضاف بن عمر: “ما تقوم به الحكومات مثلا في إيطاليا وفرنسا هو محاولة احتواء تلك الضغوط بفرض إجراءات جديدة ضد المهاجرين، مثل الترحيل القسري، والخوف أن يتحول الترحيل إلى إجراء إداري وليس قضائيا كما ينص على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الانسان”.
لكن الأزمة قد لا تنحصر في ملفي الهجرة والأمن، يهدد هجوم نيس بإحداث أزمة ثقة بين البلدين، فبعد جريمة قتل المدرس صامويل باتي بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد، أعلنت تونس تضامنها مع باريس وتوخت في نفس الوقت عبر البيانات الرسمية، أسلوبا حذرا ومبطنا في انتقاد الحملات المناوئة للإسلام دون أن تسمي فرنسا.
وعلى خلاف ذلك، دعم كثير من الغاضبين التونسيين حملات المقاطعة للسلع الفرنسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي واستبدل متصفحون صورهم بشعار “إلا رسول الله” ونظم محتجون مسيرة في جنوب البلاد.
وقال إمام جامع في منطقة الكبارية الشعبية القريبة من وسط العاصمة، الناشط في المجتمع المدني صبري عبد الغني لـ”د. ب.أ”: “ما حدث في باريس ونيس هو إرهاب ولا يمثل الإسلام، لكن ردة الشعوب تكون دائما عاطفية وهذا لا ينفي حالة الاستخفاف الشائعة بمشاعر المسلمين”.
وتابع عبد الغني: “بينما تعني العلمانية فصل الدين عن السياسة، فإن علمانية فرنسا متطرفة ومعادية للإسلام، هذا لا يحدث في ألمانيا أو بريطانيا مثلا”.
وفي كل الأحوال، ليس واضحا ما إذا كان لحملات المقاطعة تأثيرا فعليا في الأسواق التونسية في وقت استمرت فيه سلسلة متاجر “كارفور” الفرنسية في استقبال زبائنها كالمعتاد، بينما تحرس قوات الشرطة المركز الثقافي الفرنسي في قلب العاصمة.
وقال جمال مسلم رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان لـ”د. ب.أ” :”نحن ندعم حرية التعبير والإبداع الثقافي،وندعوا إلى احترام الأديان، أيا كانت، لكن ردة الفعل كانت عنيفة وغير متناسبة وجرى توظيفها سياسيا واقتصاديا أساسا من تركيا عبر دعوات المقاطعة”.
وأضاف مسلم :”نحترم الدولة اللائكية في فرنسا، نحن في الرابطة نناضل دائما من أجل ترسيخ مبادئ العيش المشترك ولكن من شروط ذلك احترام حرية المعتقد ومشاعر الغير ولا يعني ذلك الانحناء”.
وفرنسا هي السوق السياحية الأولى والشريك التجاري الأول لتونس، حيث تعمل أكثر من 1400 شركة فرنسية في البلاد بطاقة تشغيل تعادل 140 ألف عامل، بحسب بيانات وزارة الخارجية الفرنسية. كما يعيش أكثر من 20 ألف فرنسي في تونس.
وجاء هجوم نيس بعد أيام فقط من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لتونس وإعلانه عن حزمة مساعدات طبية ومالية وصرف قسط أول من قرض بقيمة 350 مليون يورو لدعم الإصلاحات في الديمقراطية الناشئة.