كل الدراسات والإحصاءات والأرقام تتحدث عن العنف الذي تتعرض له المرأة من قبل الرجل، لكن لا أحد يريد أن يصدق أن الرجل أيضا يتعرض للعنف من المرأة؟ العنف ضد الرجل موجود وليس مجرد مبالغة، إنه عصر المساواة حتى في الركل والرفس وشد الشعر والعض، التحقيق التالي عن العنف ضد من كان يسمى سابقا «سي السيد».
انطبع في الحس الشعبي وفي الوجدان العام أن العنف دائما يكون ضد المرأة، وأن الرجل وحده يقوم بدور شرير الشاشة، فهو الوحش والجاني. حتى محرك البحث الشهير على الإنترنت مولانا «غوغول» لا يتخيل أن هناك عنفا ضد الرجل، ويبدو أنه لا يزال يعيش في زمن «سي السيد».
جرب واكتب في خانة البحث «العنف ضد»، لتأتيك قائمة خيارات «غوغول» على النحو التالي: العنف ضد النساء، العنف ضد المرأة، العنف ضد الأطفال، العنف ضد الخادمات، ثم يتذكر غوغول المشهور بنظرته المستقبلية أن الرجل ربما قد يتعرض للعنف في المستقبل فيذكر «العنف ضد الرجل» في المرتبة الخامسة من الخيارات.
عنف حتى في المحكمة
إن كنت مثل «غوغول» تعيش في زمن سي السيد فأنت واهم، العنف ضد الرجل موجود من حولنا في الكثير من البيوت، وربما يصدمك المحامي محمد طالب عندما يؤكد أن نسبة العنف بين الجنسين في الكويت تكاد تكون متعادلة، يقول:
- من ينكر وجود العنف ضد الرجل فهو واهم، وأدعوه إلى زيارة سريعة لمجمع المحاكم ليرى بعينيه ويسمع بأذنيه كيف يتعرض الرجل للعنف حتى في أروقة المحاكم، حيث نشاهد الكثير من مشاهد العنف من الزوجة ضد الزوج، والتي تتراوح بين الشتائم والضرب.
بل أكاد اجزم من واقع خبرتي القضائية أن نسبة العنف بين الجنسين تكاد تكون متعادلة، فكما تتعرض المرأة للعنف من الرجل، يتعرض الرجل للعنف أيضا من المرأة، مع اختلاف أشكال العنف. بل أكاد أؤكد أن من أهم أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع الكويتي، أن العلاقة بين الزوجين تدهورت وأصبحت أكثر عنفا، وأصبح الحوار بين الأزواج في الكثير من البيوت باللكمات وليس بالكلمات.
«سكانه مرته».. الضحية
ويؤكد طالب أن الغالبية العظمى من الناس عندما تسمع مصطلح العنف يتبادر إلى ذهنها الضرب فقط، لكن العنف ضد الرجل يأخذ أشكالا أخرى:
- العنف الموجه إلى الرجل يأخذ في حقيقة الأمر الكثير من الأشكال، ففي كثير من الزيجات يكون الزوجان على طرفي نقيض، ويحدث العنف من الزوجة ضد الزوج عندما تكون هي الأقوى، ويكون الزوج شخصية ضعيفة سهلة الانقياد للزوجة، كما يقول المثل الكويتي «سكانه مرته». هنا قد تلجأ الزوجة إلى ضرب الزوج سواء بيدها أو عن طريق أدوات حادة مثل العصا والسكين. وقد يتخذ العنف ضد الزوج شكلا آخر هو الإهانات والشتائم وألقاب التحقير.
وفي بعض الحالات عندما يتفاقم الخلاف بين الزوجين تلجأ الزوجة العنيفة إلى تكرار مشهد منقول من الأفلام العربية، حيث تقوم بجمع ملابس الزوج في كيس وإلقائها خارج البيت، أو تقوم بتمزيق ملابسه بالكامل بالمقص، وهذه قضايا حدثت بالفعل في الكويت.
العنف ضد الرجل لا يقل خطورة عن العنف ضد المرأة لأنه يهدد الأسرة، وإن كانت قلة من الرجال يتحملون هذا العنف من المرأة ويتعايشون مع الوضع، ففي كثير من الحالات لا يقبل الرجل العنف من زوجته، ويصل الأمر إلى الطلاق من المرة الأولى التي يتعرض فيها الرجل للعنف.
والقانون وحده لا يستطيع حل المشكلة، لانه عندما يشكو الرجل زوجته لممارستها العنف ضده، يجري التعامل مع الموضوع في اطار قانون الإجراءات الجزائية كما يجري التعامل مع مشاجرة عادية بين اثنين. وإذا وصل الأمر إلى الطلاق تحرم الزوجة من حقوقها، إن استطاع الزوج إثبات الضرر الواقع عليه من عنف الزوجة.
الأمر يحتاج إلى تضافر جهود الأسرة والمدرسة والإعلام للقضاء على العنف، سواء الموجه ضد الرجل أو ضد المرأة، لانه يهدد بتدمير الكثير من الأسر.
لماذا تلجأ المرأة إلى العنف؟
لماذا تلجأ المرأة الى العنف ضد الرجل؟
يجيب الاستشاري النفسي والاجتماعي د. عدنان الشطي قائلا:
- العنف ضد الرجل موجود، بل أن أحد الأرقام يقول ان 60 % من حوادث العنف العائلي بين الزوجين سببه المرأة. والعنف ضد الرجل يتخذ شكلين: الأول جسدي بالضرب والاعتداء، والثاني لفظي عن طريق الإهانات والشتائم وتلويث السمعة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يعتقد البعض أن العنف ضد الرجل مبالغ فيه أو غير موجود بالمرة؟
الإجابة لها عدة وجوه: أولها الفكرة الواردة بأن المرأة كائن بريء ومرهف الحس، ولا تلجأ إلى العنف مهما وصلت الخلافات مع الرجل. كما أن فكرة تعرض الرجل للعنف من المرأة غير واردة في أذهان الكثيرين، بمن فيهم الرجال الذي يتعرضون للعنف.
بالإضافة إلى أن حوادث العنف ضد المرأة موثقة وترصدها الكثير من جمعيات المجتمع المدني، على العكس من حوادث العنف ضد الرجل. وفي الكثير من المجتمعات، ومنها المجتمع الكويتي، يجري تشجيع المرأة التي تتعرض للعنف من الرجل إلى إبلاغ الجهات المعنية، بينما لا احد يشجع الرجل على الإقرار بما تعرض له والإبلاغ عنه، خاصة ان ذلك يعتبر «عيبا» و«فضيحة» في مجتمعنا.
تخيل شكل رجل والتعليقات التي يمكن أن يسمعها إن ذهب إلى المخفر ويقول: لقد تعرضت للضرب على يدي زوجتي!
كما أن العنف ضد المرأة يبدو أكثر وضوحا لانتباه الجميع، فبمجرد ظهور كدمة في وجه المرأة سيقول الجميع انها من فعل زوجها، بينما العنف ضد الرجال في كثير من الأحيان يبدو غير مثير للانتباه، فالرجل الذي يعاني من كدمة أو سواد حول العين سيتصور الجميع أنهما من جراء مشاجرة مع رجل آخر.
الحقيقة أن المرأة ليست بريئة في كثير من حالات العنف المنزلي، وفي أحيان أخرى تكون هي المدانة وليس الرجل. وهذا الكلام ليس تجنيا على المرأة، لكن لكي نكون منصفين نقول ان العنف من المرأة ضد الرجل هو انعكاس لمعدلات العنف التي اجتاحت كل فئات المجتمع في السنوات الأخيرة بمن فيهم المرأة.
علم النفس
لماذا يرضى الرجل بعنف المرأة؟
يشير د. عدنان الشطي إلى أن بعض الرجال يتعرضون للعنف من قبل زوجاتهم، لكنهم في النهاية يرضون بالعيش في ظل هذا العنف. ويرجع الشطي الأسباب إلى قصور في شخصية بعض الأزواج، فالزوج قد يكون صاحب شخصية ضعيفة وهو بحاجة إلى شخصية الزوجة التي تمارس عليه العنف لان شخصيتها أقوى. وفي بعض الأحيان قد يكون الرجل ضحية للعنف منذ طفولته، كأن يكون تعود منذ الصغر على الضرب والإهانة من الوالدين، وبالتالي عندما يكبر ويتزوج ويجد زوجته تمارس عليه العنف يجد هذا الوضع عاديا بالنسبة له.
وهناك سبب آخر، وهو أن بعض الرجال قد لا يرضون بالعنف الذي يتعرضون له من الزوجة، لكنهم في النهاية يتحملون العنف في سبيل الحفاظ على بيوتهم وإنقاذ أبنائهم من الضياع في حالة الطلاق. وهو الاختيار نفسه الذي تلجأ إليه المرأة التي تتعرض للعنف من زوجها، لكنها تتحمل في سبيل الحفاظ على أبنائها.
بينما يضيف المحامي محمد طالب سببا رابعا وهو أنه في بعض الأحيان يكون اعتماد الرجل ماديا على الزوجة التي تمارس عليه العنف، فإنه يوازن بين حياته معها بصورة مادية أفضل رغم العنف الذي تمارسه عليه وبين تركها والعيش في وضع مادي سيئ، فيختار الوضع الأول.