الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي: لا خلاف لي مع الشاهد ومصير الحكومة بيد البرلمان.
تونس - استنفرت حركة نداء تونس أوراقها السياسية والقانونية للردّ على خطوة رئيس الحكومة يوسف الشاهد التي أعلن فيها عن تعديل وزاري واسع، وذلك في تصعيد جديد مُرشح لأن يتفاعل أكثر فأكثر على وقع الأزمة المُستفحلة في البلاد التي بدأت تأخذ طريقا نحو الغرق في متاهة الحسابات الضيقة.
وفيما نأى الرئيس الباجي قائد السبسي بمؤسسة الرئاسة عن الجدل الدائر حول التعديل الوزاري عبر الظهور في صورة رجل الدولة الحريص على استقرار عمل المؤسسات بعيدا عن التجاذبات السياسية، دفعت حركة نداء تونس المواجهة مع رئيس الحكومة إلى درجة عالية من التوتر ما بات يفرض إيقاعا مختلفا على المشهد السياسي الذي يترقب بكثير من القلق ما ستؤول إليه نتائج هذه المواجهة المحكومة بحسابات مُتنافرة.
ودعت حركة نداء تونس، في بيان وزعته الخميس، وزراءها إلى الانسحاب فورا من الحكومة، وذلك في انعطافة كبيرة تأتي في ظل استمرار التباين الحاد في القراءات المُرافقة لأزمة الحكومة التي تعيشها البلاد، والتي تحولت إلى أزمة دستورية بامتياز.
وقالت الحركة في بيان حمل توقيع سليم الرياحي بصفته الأمين العام، وحافظ قائد السبسي بصفته رئيس الهيئة السياسية، وسفيان طوبال بصفته رئيس الكتلة النيابية للحركة، إنه تقرر، بعد اجتماع مشترك بين المكتب السياسي والكتلة النيابية للحركة، مُطالبة أعضاء الحكومة المنتمين إلى حركة نداء تونس بـ”الانسحاب فورا من هذه الحكومة باعتبارها حكومة النهضة المنقلبة على شرعية نتائج انتخابات 2014″.
وشددت في بيانها على أن “عدم استجابة وزرائها المعنيين لهذا القرار سيُعد خروجا نهائيا من الحركة واستقالة من كل هياكلها”.
وتُشارك حركة نداء تونس في التشكيلة الجديدة للحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد بـ9 وزراء، هم خميس الجهيناوي وزير الخارجية، ورضا شلغوم وزير المالية، وحاتم بن سالم وزير التربية، ومحمد زين العابدين وزير الثقافة، وسنية بالشيخ وزيرة الشباب والرياضة، وسليم الفرياني وزير الصناعة، والهادي الماكني وزير أملاك الدولة، وشكري بن حسن وزير مكلف بالاقتصاد التضامني، ورضوان عيارة وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج.
وفي سياق تصعيدها للأزمة التي تدرجت من الرفض الصريح للتعديل الوزاري المذكور إلى التحذير الشديد من عواقبه، أكدت حركة نداء تونس في بيانها على أن “الحكومة المُقترحة في مشروع التعديل الأخير تعتبر خروجا نهائيا عن اتفاق قرطاج وخيانة للأطراف السياسية والاجتماعية التي أعطتها ثقتها”، ما “يفقدها نهائيا كل شرعية قانونية أو سياسية أو أخلاقية”.
ودعت في المقابل أعضاء كتلتها النيابية في البرلمان إلى “الاعتراض على تعهد البرلمان بالنظر والتداول في اقتراح رئيس الحكومة المتعلق بطلب جلسة للتصويت على منح الثقة بسبب “الإخلالات الدستورية والإجرائية التي شابته”، وذلك في تحرك استباقي قبل تحديد البرلمان موعد جلسة عامة للنظر في منح الثقة للفريق الحكومي الجديد.
وكان الشاهد قد أعلن، مساء الاثنين الماضي، عن تعديل وزاري واسع شمل 13 وزيرا و5 كتاب دولة، أبقى فيه على وزراء ثلاث وزارات سيادية، هي الخارجية والدفاع والداخلية، بينما غير فيه وزير العدل.
وتميز هذا التعديل الوزاري بانضمام روني الطرابلسي إلى الفريق الحكومي الجديد، وهو من الطائفة اليهودية، حيث أسندت إليه حقيبة السياحة والصناعات التقليدية خلفا لسلمى اللومي التي التحقت بالرئاسة كمدير للديوان الرئاسي للرئيس السبسي.
وقبل هذا البيان، دعا سليم الرياحي، الأمين العام لحركة نداء تونس، الرئيس الباجي قائد السبسي لمجابهة ما وصفه بـ”مخطط يوسف الشاهد الانقلابي الخطير، ووضع حد للاضطراب السياسي والاجتماعي الكبير، وحالة الإفلاس والانهيار الاقتصادي، وحالة الشلل والعطالة غير المسبوقة التي تمر بها دواليب الدولة”.
واعتبر في تدوينة له نشرها الخميس أن “رئيس الجمهورية هو المستهدف الأول من هذا المخطط”، حيث كتب “مخطئ من يعتقد أن التعديل الوزاري الأخير الذي اقترحه يوسف الشاهد هو مجرد تركيبة حكومية، أو محاولة لعزل النداء وتدعيم نفوذ النهضة فقط، بل هو خطوة انقلابية خطيرة تم التخطيط لها مسبقا”.
وعلى عكس هذه الدعوة وما تضمنته من رسائل استحضرت فيها حركة نداء تونس مجموعة من الهواجس المشروعة حول خطر سطوة حركة النهضة الإسلامية وتفردها بالمشهد السياسي من خلال حكومة الشاهد، سعى الرئيس السبسي إلى التهدئة ومحاولة تلطيف الأجواء.
ورغم تأكيده على رفض التعديل الوزاري، نفى السبسي خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس وجود خلاف بينه وبين رئيس الحكومة، قائلا “لا خلاف بيني وبين رئيس الحكومة.. أنا رئيس دولة ويجب أن نحترم مقام رئيس الدولة”.
وقال الرئيس التونسي إن “مصير الحكومة اليوم في يد المجلس (البرلمان).. ونتصرف حسب ما يقتضيه الدستور وما يقتضيه شرف المهنة والدولة التي نحن فيها”.
ويُنظر إلى هذا الموقف على أنه محاولة من الرئيس السبسي لإعادة السياقات الناظمة للمشهد العام في البلاد إلى مسارها الطبيعي، بتأكيده على معالجة الأزمة تحت قبة البرلمان، وهي محاولة ما زالت تصطدم بتعدد القراءات التي تنوعت فيها الخطوط والخطوات التي تدفع نحو التصعيد والتسخين لفرض معايير جديدة لإعادة صياغة المشهد في البلاد.