النهضة تريد حليفا مثل الشاهد لا شريكا مثل السبسي، وداعما مؤيدا مثل الائتلاف لا متعايشا ناقدا مثل النداء، وتبتغي ترويكا جديدة بحساباتها هي لا بمصالح حلفائها.
يوما بعد يوم، يتضّح بالكاشف أنّ التحالف بين حزب حركة النهضة ورئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، وبدرجة أقل مع محسن مرزوق، أعمق من مجرد تحالف حكومي ذي حزام برلماني يحول دون سحب الثقة عن حكومة الشاهد.
فالتقارب الذي جاء وليد اجتماع ضرورة بين الطرفين، استحال اليوم تحالف خيارات وسياسات، ولن نجانب الصواب إن اعتبرنا أنّه قد يؤسس لمشهدية ائتلافية في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.
3 شواهد كبرى على الساحة السياسية التونسية تثبت هذا “التقارب – التحالف”. الأول متمثل في “ماكينة” التصويت البرلمانية على مشاريع الميزانيات في كافة الوزارات حيث تمر مشاريع الميزانية بغالبية مريحة في مجلس النواب. الثاني متجسدة في التضامن الواضح والجلي الذي يوفره الشاهد من خلال موقعه المؤثر في مجلس الأمن القومي لحماية حركة النهضة من سهام الرئيس الباجي قائد السبسي سيما في الملفات الأمنية الخاصة بما يُعرف “الغرفة السوداء” “والتنظيم السري”.
أما الشاهد الثالث فمتجسم في رفع كتلة الائتلاف- القريبة من يوسف الشاهد- الفيتو ضد كافة المشاريع الرافضة للتمويل الحكومي لصندوق الكرامة الخاص بالتعويض المادي لضحايا الاستبداد ضمن منظومة العدالة الانتقالية. هكذا تتغيّر المواقف بتغيّر المواقع والتموقعات، فأعضاء كتلة الائتلاف الذين كانوا بالأمس القريب رافضين لصندوق الكرامة ضمن كتلة نداء تونس، باتوا اليوم موافقين على التعويضات المادية لضحايا الاستبداد والتي يبلغ حجم الإسهام الحكومي فيها نحو 10 مليون دينار تونسي.
يُقدّم يوسف الشاهد نفسه لحركة النهضة ورقة سياسية مربحة في المكاسرة العلنية بينها وبين حركة نداء تونس بشكل عام، والرئيس السبسي على وجه الخصوص، وفي ذات الظرف السياسي الحساس الذي تستحيل فيه كافة الملفات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بيادق ضمن لعبة الشطرنج بين الشيخين، يتقدم الشاهد بأوراق اعتماده لحركة النهضة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
وفي ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، تسعى النهضة إلى استحضار قواعدها الانتخابية وتجنيد خزانها الاقتراعي وهي تدرك تمام الإدراك أن استحثاثا للتصويت لصالحها يمر عبر محطتين اثنتين، الأولى حصول جزء معتبر من قواعدها على التعويض المادي جراء سنوات الاستبداد، والثانية تجاوز ملف المساواة في الميراث بأقل التكاليف السياسية على الحركة وأدنى الفواتير والمراجعات الاجتهادية وأعلى قدر ممكن من التوافق مع حليفها الجديد، ومن تأمين التأييد الجماهيري لها تحت عناوين الدفاع عن الهوية والذود عن المقاربات التوليفية بين الدين والديمقراطية.
صحيح أنّ مشروع المساواة في الميراث يحظى في العلن على الأقل بدعم العديد من الكتل النيابية ما عدا حركة النهضة، وصحيح أيضا أنّ المشروع تمت المصادقة عليه في مجلس برئاسة رئيس الدولة وحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ولكن الصحيح أيضا أن جزءا كبيرا من ميكانزيمات إجهاض المشاريع ومقايضة تقويض مشاريع القوانين بمشاريع سياسية في القصبة وقرطاج لم يُلعب بعد، والحقيقة أنّ لدى حركة النهضة عدة أوراق في هذا المجال والعديد من عارضي الخدمات السياسية عليها وما أكثرهم.
وبمقتضى هذه المقدمات لن نستغرب استدارة في الأصوات وانقلابا في المواقف وتغييرا في المقاربات حيال ملف المساواة في الميراث، طمعا في كراسي النهضة أو طموحا في تحالفات جديدة معها.
على الضفة الأخرى تزداد المسافة السياسية بين حركة النهضة وحزب النداء، لا أحد بإمكانه الحديث عن مسافة كبرى لا رجعة فيها، خاصة في زواج المتعة بين الطرفين، ولكن لا أحد ينكر أنّ الشقة تزداد اتساعا بين حلفاء الأمس وفرقاء اليوم، سيما مع ملامسة الرئيس السبسي للملفات الأمنية وقضايا التنظيم السري، وهي مسائل تثير في الوجدان الإسلامي الكثير من سرديات السجون وتعيد لأذهانهم طرائق تمثل الأنظمة السياسية في تونس سابقا وفي الكثير من العواصم العربية حاليا للتيارات الإسلامية كملفّ أمني خطير وسري للغاية.
تجاوزت الكثير من تصريحات قادة حركة النهضة حدود اللياقة واللباقة حيال رئيس الجمهورية وحزبه نداء تونس، كما أنّ الكثير من الصفحات المؤيدة للنهضة استحضرت خطاب التضاد والتباين في 2012 و2013 ضد الباجي والنداء، ولكن لا تزال هناك قناعة راسخة لدى قطاع واسع من إسلاميي الصف الأول في النهضة أنّ لدى الباجي قائد السبسي الكثير من الأوراق السياسية التي بالإمكان توظيفها ضدّ حركة النهضة سواء في داخل البلاد أو خارجها، وأن المناخ الإقليمي خاصة في الرياض وأبوظبي والقاهرة لا يزال غير هاضم ولا مستسيغ لبقاء الإسلاميين على سدة السلطة في تونس.
وفي انتظار تغيير جزئي أو راديكالي في المشهد السياسي، قد يحصل وقد لا يحصل أيضا، ستبقى حركة النهضة متمسكة بيوسف الشاهد (وبكتلة الائتلاف البرلمانية) لا فقط لأنّ الأخير يعتبر في النهضة القاطرة السياسية والتشريعية الأقوى والأقدر على إيصاله لقصر قرطاج أو إعادة توطينه في القصبة، بل لأنّ النهضة تريد حليفا مثل الشاهد لا شريكا مثل السبسي، وداعما مؤيدا مثل الائتلاف لا متعايشا ناقدا مثل النداء، وتبتغي ترويكا جديدة بحساباتها هي، لا بمصالح حلفائها وبأجنداتها لا بأولويات القريبين أو البعيدين.
أمين بن مسعود
كاتب ومحلل سياسي تونسي