الحكومة التونسية تحاول منذ إطلاقها حوارا للإصلاح التربوي النهوض بقطاع التعليم، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج، ما جعلها تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية لقطاع التعليم.
تونس - تبذل الحكومة التونسية مجهودا كبيرا للنهوض بقطاع التعليم العمومي غير أن هذا المجهود لا يبدو كافيا في ظل التحديات والمتاعب التي مازالت تعصف بهذا القطاع منذ اندلاع ثورة يناير 2011.
ويعاني قطاع التعليم العمومي من وضع سيء للبنية التحتية مع نقص في أعداد المدرسين. ما جعل عائلات تونسية رغم الصعوبات المالية تلجأ إلى التعليم الخاص.
وحذّرت كومبو بولي باري، المقررة الخاصة للأمم المتحدة للحق في التعليم، من “تسليع” التعليم في تونس أمام ارتفاع عدد مؤسسات التعليم الخاص خلال مؤتمر صحافي نظمته باري، في اختتام زيارة أجرتها إلى تونس الأسبوع الماضي عرضت خلاله بعض تفاصيل تقريرها حول مستوى التعليم في تونس قبل تقديمه لمجلس حقوق الإنسان ومناقشته خلال شهر يونيو 2020.
وقالت باري “إثر لقائي بعدد من منظمات المجتمع المدني، لاحظت ارتفاع عدد مؤسسات التعليم الخاص”. وأضافت أن وزير التربية حاتم بن سالم، أرجع الأمر إلى “الإضرابات المتكررة في هذا القطاع (قطاع التعليم العام) مما اضطر الأولياء إلى ترسيم أبنائهم في مدارس خاصة”.
وحسب الإحصائيات المحلية بلغ عدد المدارس الخاصة في تونس عام 2018 أكثر من 650 مدرسة ابتدائية تحتضن أكثر من 50 ألف تلميذ وتلميذة. فيما يمثل طلبة التعليم العالي الخاص حوالي 12 بالمئة من إجمالي عدد الطلبة في التعليم العالي العمومي.وأشارت باري إلى أنها لاحظت أيضا، خلال زيارتها، مدى “تدهور البنية التحتية للمؤسسات التربوية الابتدائية والثانوية والجامعية”. وبيّنت أن هذا التدهور “أوجب ضرورة تدخل الحكومة، خاصة وأنه تم إغلاق عدد كبير من قاعات التدريس، لأنها آيلة إلى السقوط، ويمكن أن تتسبب في كوارث كبرى”.
ولفتت المقررة الأممية إلى أن تونس تشكو من ظاهرة الانقطاع المبكر عن التعليم لدى الأطفال المراهقين، حيث أن 100 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة سنويا، وهو في حد ذاته أمر غير مقبول. وأشارت إلى حرص الأنظمة السياسية التي تعاقبت على البلاد، على عدم تغيير نظام مجانية التعليم، ولم تتجه إلى الخصخصة، في مقابل ذلك هناك جامعات خاصة في حدود 10 بالمئة من المجموع العام.
واعتبرت أن تخصيص نسبة 9 بالمئة فقط من ميزانية وزارة التربية للاستثمار في هذا المجال هي اعتمادات غير كافية مقارنة بحجم الميزانية المخصصة للتصرف الإداري والأجور التي تمثل 90 بالمئة من ميزانية وزارة التربية.
وتحاول الحكومة التونسية منذ إطلاقها حوارا للإصلاح التربوي عام 2015 النهوض بقطاع التعليم، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج، ما جعلها تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية لقطاع التعليم.
ويقول خبراء إن السياسات الخاطئة وراء هذا التدني في قطاع التعليم، وهو ما أفقد ثقة المواطن في المدرسة العمومية وجعله يهجرها إلى المدارس الخاصة.
ويشير لسعد اليعقوبي أمين نقابة التعليم الثانوي إلى أن “التعليم في تونس يعيش أزمة هيكلية، فلا البرامج ولا المناهج ولا البنى التحتية أصبحت صالحة لتعليم ذي جودة ومنافس للكثير من نظم التعليم في العالم”.
ويعتقد اليعقوبي أن غياب رؤية وإرادة سياسية لدى الحكومة لإصلاح التعليم العمومي والترفيه في الإنفاق عليه عمق من أزمة المنظومة التعليمية، إضافة إلي أن تطبيق الحكومة تعليمات صندوق النقد وغلق الانتداب أوصلا التعليم في تونس إلى حالة من التردي غير المسبوقة وزادا مع ارتفاع نسب الانقطاع المبكر وتفاقم العنف وانتشار المخدرات بشكل مخيف.
ويضع تطور أنظمة التعليم في العالم واعتماد التكنولوجيا الحديثة لاكتساب مهارات التعلم وزارة التربية أمام تحد إضافي، وقد انطلقت العام الماضي في إعداد الاستراتيجية الوطنية في علوم الذكاء الاصطناعي، التي تهدف إلى الإقلاع بكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي على مستوى الصناعات أو الخدمات، مواكبة للتغيرات التكنولوجية والعلمية في العالم.
لكن اليعقوبي يرى أن صناعة الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل منظومة تعليمية متكاملة من حيث البرامج والمناهج، وغيابها سيجعل تونس بعيدة عن مواكبة هذا التطور الهائل والتطور التكنولوجي وسيجعل البلد يغرق أكثر فأكثر في التبعية. ومن شانه أن يعمق الأزمة الاجتماعية بدفوعات الخريجين الذين لا تحتاجهم سوق العمل وبالتالي سيزيدون من عدد العاطلين.
وتعتمد وزارة التربية على الكتاب الأبيض وهو مشروع وضعته لإصلاح التعليم منذ عام 2016. واعتبرت كومبو بولي باري أن إصدار الكتاب الأبيض ساهم في تطوير هذه المنظومة بشكل لافت للنظر. ودعت في سياق متصل إلى ضرورة إرساء حوار وطني لتحويل مخرجات الكتاب الأبيض إلى مشروع قانون خاص بالتعليم في تونس.
وبحسب إحصائيات رسمية للموسم الدراسي 2017/ 2018 بلغ عدد التلاميذ في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي 2 مليون و80 تلميذا، فيما كان عدد الطلبة في الجامعات 241 ألفا و84 طالبا.