خيار التونسيين، الأحد 13 أكتوبر، بيد التونسيين وحدهم، وسواء اختاروا رجل القانون أم اختاروا رجل الأعمال، عليهم أن يقبلوا تبعات اختيارهم.
بإرادة حرة سيتوجه الناخب التونسي إلى صناديق الاقتراع الأحد 13 أكتوبر، ليختار واحدا من اثنين، قيس سعيَد أو نبيل القروي، رجل القانون أو رجل الأعمال.
الاختيار سيحدد من هم التونسيون، هل هم مجتمع محافظ، أم هم حداثيون. وهل يفضل التونسي الصرامة القانونية، أم المرونة والليونة والتكيّف مع الأحداث؟
هل سيختار التونسيون رجلا عاش بين دفتيْ كتاب، أم رجلا عرك الحياة وعاركته؟
السيرة الذاتية للرجلين قد تُلقي بعض الضوء.
قيس سعيّد، الأكاديمي، حاصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام والعلوم السياسية، إضافة إلى دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري. عمل أستاذا بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة، وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس.
شغل منصب مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة، واختير عضوا في فريق خبراء الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، المكلّف بإعداد مشروع لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية، خلال عامي 1989 و1990.
باختصار، سيرة رجل قانون وأكاديمي، يجد صعوبة في رسم ابتسامة على وجهه، لم يخرج من بين دفتيْ الكتاب.
في المقابل، تابع نبيل القروي، إثر حصوله على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) بتونس، دراسته الجامعية بمعهد التجارة بمرسيليا، وتخصص في التجارة وتقنيات البيع بالمؤسسات متعددة الجنسيات، التحق بالمجموعة العالمية “كنال بلوس” في خطة مدير تجاري لمدة سنتين.
أسس عام 2002، مع شقيقه غازي القروي، المجموعة الدولية للإعلام والإشهار “قروي أند قروي”.
وفي عام 2007 أطلق قناة نسمة، وبعث جمعية “ناس الخير” عام 2013، التي تغيّر اسمها إلى جمعية “خليل تونس” عام 2016، إثر وفاة ابنه خليل، وتمثّل نشاطها في مساعدة الفئات المعوزة وبثّ مادة إعلامية يومية متعلقة بهذه الأنشطة على قناة نسمة.
وهو من مؤسسي حركة نداء تونس، غادرها عام 2017، وأسس في يونيو الماضي حزبه الجديد “قلب تونس”، الذي ترشح باسمه في الانتخابات الرئاسية.
تمّ إيقافه في 23 أغسطس 2019، وذلك على خلفية قضية رفعتها ضده منظّمة “أنا يقظ” بتهمة التهرّب الجبائي وتبييض الأموال.
باختصار، نبيل قروي رجل أعمال وقطب إعلامي، لا تفارق الابتسامة وجهه، عرك الحياة وعركته.
ولكن هل المظاهر مهمة، وهل الانطباع الأولّي يكفي لتقييم الرجلين؟ بالتأكيد لا، يجب أن نقرأ ما هو خلف المظهر، وما هو أعمق من مجرد سيرة ذاتية.
لنقرأ البرنامج الانتخابي للرجلين:
الأولوية في برنامج القروي الانتخابي، ستكون لمبادرة “العقد الاجتماعي ضد الفقر”، تدعى الأحزاب والمنظمات الكبرى للمساهمة فيه والإمضاء عليه، ينطلق العمل به خلال التسعين يوما الأولى، في حال فوز القروي في السباق الرئاسي.
وسيتم العمل على تطوير مفهوم الأمن القومي، ليشمل القطاعات الإستراتيجية والحيوية، باعتبار أنها من صميم الأمن القومي، إلى جانب التركيز على الدبلوماسية الاقتصادية، والدفع نحو الاقتصاديات الجديدة المبنية على الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي.
كما تتضمّن الخطوط العريضة لبرنامج القروي الانتخابي استكمال الهيئات الدستورية، وعلى رأسها المحكمة الدستورية، وإطلاق مبادرة تشريعية كبرى لتنقية التشريعات والقوانين من التضارب وعدم التناسق مع روح الدستور.
وعن الجانب الدبلوماسي، الأولوية ستكون لإعادة الروح لاتحاد المغرب العربي، خصوصا مع الجزائر وليبيا، وتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وفق فلسفة جديدة تقوم على المنفعة المتبادلة، مع إقامة شراكات جديدة وتنويع الأسواق، وعلى رأسها الفضاء الأفريقي. كما سيسعى، في حال فوزه، إلى استعادة رئاسة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واتحاد الإذاعات العربية.
في المقابل، يقول قيس سعيّد، إنه “لا يملك برنامجا انتخابيا يسوّق للأوهام والأحلام الكاذبة والوعود الزائفة”، معتبرا أن “البرامج الانتخابية التي طرحها المرشّحون منذ 2011 لا تزال في مرتبة الوعود، ولم تطبّق فعليا لذلك لم يجن الشعب إلا الأوهام”.
وأكد أنه “يقدّم مجموعة من الأفكار والتصورات، سيستشير فيها الشعب، لتنفيذها على أرض الواقع، ومنها تنطلق عملية البناء السياسي والإداري لتونس على أسس جديدة”.
وتعتمد هذه الأفكار، على الانطلاق من المحلّي نحو المركز “على غرار الثورة التي انطلقت من المناطق الداخلية لتبلغ أوجّها في العاصمة”، وترتكز أساسا على اختيار ممثّل عن كل مجلس محلّي (265 مجلسا محليّا في تونس) ينتخبه أهل المنطقة، على قاعدة برنامج يتقدّم به لتنمية المنطقة، وبالتالي يصبح ممثّلا لهم في البرلمان.
التونسيون في برنامجه المقترح، يراقبون من انتخبوهم، و”إذا ما أخلّوا بوعودهم يعيدون الانتخاب من أجل سحب الثقة من نائبيهم وتعويضهم بالأجدر”.
ويقترح المرشح المستقل، أيضا، إحداث “مجلس أعلى للتربية والتعليم ويكون مؤسسة دستورية تمثّل كل الأطراف التي لها علاقة بهذا القطاع الحيوي”.
ويعمل هذا المجلس، وفق سعيّد، على “إقرار الإصلاحات الضرورية للارتقاء بمنظومة التربية والتعليم، بمشاركة الجميع ليتم تفادي الصدامات والإخلالات بمصالح الشركاء”.
وعارض أن “تكون إصلاحات أيّ منظومة بقرار من الوزير دون مشاركة الأطراف المهنية أو المستفيدة من المجال، مشددا على ضرورة التشارك في صياغة هذه القرارات”.
رغم وجوده قيد التوقيف، نال القروي 15.58 بالمئة من الأصوات، في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ما أهّله إلى خوض الدورة الثانية الحاسمة. وهو يسعى إلى التعويض في الانتخابات الرئاسية بعد أن حلّ حزبه الليبرالي الناشئ “قلب تونس” في المركز الثاني في الانتخابات التشريعية، بفارق ضيق عن المتصدر حزب حركة النهضة الإسلامية.
قيس سعيّد، الذي رفض تسويق الأوهام للتونسيين، يبدو عازما على إعادة تأهيلهم وتعليمهم. بينما رجل الإشهار والإعلام، نبيل القروي، الذي يفضّل شعبا حالما على شعب يائس، يبدو عازما على تسويق تونس، مستعينا بخبرته في إدارة الشركات.
سيقول البعض، إن مسؤوليات الرئيس في تونس، ليست بهذا الشمول، الدستور حدّد صلاحياته في ثلاثة أمور، الخارجية والدفاع والأمن القومي، وأضاف إلى ذلك الحق في أن يطلب من البرلمان الاستفتاء حول إقالة رئيس الحكومة إن رأى لذلك ضرورة.
هذا صحيح من الناحية الدستورية، ولكن الأمر يختلف من الناحية المعنوية، الرئيس الذي سيختاره التونسيون، سيكون المؤشر والمعيار الذي ستسير وفقه البلاد، بغضّ النظر على الحزب أو مجموعة الأحزاب الحاكمة.
خيار التونسيين، الأحد 13 أكتوبر، بيد التونسيين وحدهم، وسواء اختاروا رجل القانون أم اختاروا رجل الأعمال، عليهم أن يقبلوا تبعات اختيارهم.
علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس