دعوات إلى وقف مهزلة الصراع بين الخصوم السياسيين، خاصة بعد أن أدت تلك الصراعات إلى استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ.
تونس – لوح الرئيس التونسي قيس سعيد بالتدخل لوقف الانفلات الذي يجري في البرلمان، دون أن يفسر الخطوة التي قد يلجأ إليها. لكن أوساطا سياسية تونسية لم تستبعد أن يكون الخيار الذي يلوح به الرئيس سعيد هو حل البرلمان الذي بات يعيش حالة من الفوضى والانفلات ويثير غضب الشارع التونسي.
وقال الرئيس سعيد، عقب لقاء جمعه براشد الغنوشي رئيس البرلمان ونائبيه إن “البرلمان لم يتمكن من ممارسة مهامه ويعيش حالة من الفوضى”، مضيفا “لن أترك الدولة التونسية بالشكل الذي تسير عليه وقد أستخدم حقوقي الدستورية”.
وبعد أن أشار إلى أن البلاد تعيش أخطر وأدق اللحظات في تاريخها، قال إن “الوسائل القانونية المتاحة في الدستور موجودة لدي اليوم بل هي كالصواريخ على منصات إطلاقها”.
وتعتقد الأوساط التونسية أن رسالة سعيد للغنوشي لا يفهم منها إعطاء الأوامر لفض حالة الاشتباك الموجودة في البرلمان بين نواب كتلة حركة النهضة الإسلامية ونواب الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي، وإنما هي تتجاوز ذلك لتنفيذ الخطوة الأهم التي يطالب بها الشارع التونسي، وهي حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتطالب أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية واجتماعية وشخصيات مستقلة بتدخل الرئيس سعيد لاتخاذ قرار بحل البرلمان، وفق ما تخول له صلاحياته الدستورية، ووقف مهزلة الصراع بين الخصوم السياسيين، خاصة بعد أن أدت تلك الصراعات إلى استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ والاستمرار في إدارة حكومة تصريف الأعمال لفترة معيّنة.
لكن مراقبين يحذرون من أن حل البرلمان في الوضع الحالي لن يغير شيئا، إذا لم يتم تغيير القانون الانتخابي السيّئ الذي يعتمد نظام أفضل البقايا، وهو الذي يفضي إلى برلمان مشتت.
وحث المراقبون على رفع العتبة (شرط دخول البرلمان) إلى 5 أو 7 في المئة للحصول على برلمان فيه كتلة قوية قادرة على الحكم وحدها لتتحمل المسؤولية.
وأضاف الرئيس التونسي “لن أبقى مكتوف الأيدي أمام تهاون مؤسسات الدولة.. و(أن) تعطيل مؤسسة دستورية غير مقبول بأي مقياس من المقاييس”.
وأكد قيس سعيد “لست في صدام مع أي جهة بل أعمل في نطاق القانون لتحقيق إرادة الشعب”، في رد مباشر على اتهامات يوجهها إليه أنصار حركة النهضة على مواقع التواصل الاجتماعي، متهمين رئاسة الجمهورية بالوقوف وراء ما يجري في البرلمان لإظهاره في صورة مؤسسة فاشلة، وتمهيد الطريق أمام حله.
وانتقد الرئيس سعيد البرلمان في الكثير من المرات، فيما يقول أنصاره على مواقع التواصل إن ما يجري يخدم خطط الرئيس لحل هذه المؤسسة الفاشلة وفتح الباب أمام انتخابات جديدة على قاعدة مغايرة تفضي إلى بناء مؤسسة ممثلة للشعب على نطاق واسع.
وفشل البرلمان التونسي في استئناف أعماله مرة أخرى، الاثنين، بسبب احتجاجات واعتصام نواب الحزب الدستوري الحر المعارض، ما اضطر الشرطة إلى دخول مقر البرلمان.
وسادت حالة من الفوضى في إحدى قاعات الجلسات بمجرد أن بدأ رئيس البرلمان بتقديم مؤتمر بشأن الحوكمة ومكافحة الفساد.
وفشل الغنوشي إثر محاولات سابقة في إدارة الجلسات من المنصة الرئيسية بسبب احتلالها من قبل نواب الحزب الدستوري الحر المعتصمين داخل مقر البرلمان منذ أكثر من أسبوع.
وحصلت، الاثنين، مناوشات بين نواب الدستوري الحر الذين قاطعوا كلمة الغنوشي بترديد شعارات منددة بالعنف، ونواب حركة النهضة الإسلامية الذين ردوا بشعارات مضادة. وتطور الأمر إلى اشتباك بالأيدي ما استدعى تدخل الشرطة، في خطوة تعد سابقة.
وطالبت وزارة الداخلية بعدم إقحامها في التجاذبات السياسية، مشيرة إلى أن مجيء الشرطة العدلية إلى البرلمان كان فقط لمعاينة ما يحصل بعد شكوى رئيس البرلمان ضد رئيسة كتلة الدستوري الحر.
وقال البرلمان، في بيان، إن ممثلي النيابة، وصلوا إلى مقر البرلمان لمعاينة الاعتصام، عقب تقديم شكويين لدى المحكمة الابتدائية بتونس، تتعلقان بتعطيل الكتلة للعمل الإداري والبرلماني عبر الاعتصام بقاعتي الجلسات العامة واقتحام مكتب رئيس ديوان البرلمان والاعتصام داخله.
ولفت البيان ذاته إلى أن رئيس البرلمان أعلم المكتب (أعلى هيكل في البرلمان)، الجمعة، بـ”الشروع في إجراءات التتبّع الجزائي والقانوني لحماية المجلس والنواب ضدّ تجاوزات كتلة الدستوري الحر وتأمين تواصل الأعمال”.
ويطالب نواب الحزب الدستوري الحر (17 نائبا) قبل فض اعتصامهم بسحب الثقة من الغنوشي رئيس البرلمان ومراجعة الإجراءات الأمنية داخل مقره، ردا على حادثة دخول موالين “لائتلاف الكرامة” اليميني المحافظ دون ترخيص.
وأودع العشرات من النواب بالفعل عريضة لسحب الثقة من الغنوشي تمهيدا لتحديد جلسة للتصويت عليها، حيث يتعين تحصيل الأغلبية المطلقة لسحب الثقة.
وشاب التوتر الكثير من الجلسات العامة في البرلمان المنتخب في 2019 في ظل وجود نواب عن أحزاب على طرفي نقيض، ولاسيما حزبي حركة النهضة الإسلامية وائتلاف الكرامة من جهة، والحزب الدستوري الحر الممثل لواجهة النظام السابق قبل ثورة 2011 من جهة ثانية.