هيئة مكافحة الفساد تنتقد غياب التنسيق بين هياكل الدولة وهيئات الرقابة ومحكمة المحاسبات في ما يتعلق بجهود محاربة الفساد.
تونس – لم يهدأ الجدل في الساحة السياسية التونسية بشأن شبهات تضارب المصالح الموجهة لرئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ حيث أثارت هذه القضية العديد من نقاط الاستفهام خاصة في ما يتعلق بتوقيت تحريك الملف ودلالات ذلك ودفعت إلى التساؤل حول الآلية المستقبلية التي من شأنها أن تجنب البلاد مثل هذه الممارسات.
وانتقد رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب الاثنين، غياب التنسيق بين هياكل الدولة وهيئات الرقابة ومحكمة المحاسبات في ما يتعلق بجهود محاربة الفساد.
وأكد الطبيب في تصريحات إعلامية، أن زيادة ممارسات الفساد في تونس تعود إلى “ارتخاء قبضة الدولة” في محاربة هذه الآفة، مشددا على أهمية تفعيل الإرادة السياسية للتصدي للممارسات الخارجة عن القانون.
ونشرت هيئة مكافحة الفساد الأحد، تقريرا بخصوص شبهات تضارب مصالح وفساد مالي وإداري وتهرب ضريبي حول صفقات أبرمتها الدولة مع شركات يملك الفخفاخ مساهمات فيها.
وقالت إنها أحالت في 16 يوليو على القطب القضائي الاقتصادي والمالي، وهو الدائرة القضائية المختصة في قضايا الفساد المالي، تقريرا مرفقا بمؤيدات تتعلق بشبهات تضارب مصالح وفساد مالي وإداري وتهرب ضريبي تتعلّق بصفقات أبرمتها الدولة مع شركات على ملك رئيس الحكومة المستقيل. وطالبت الهيئة القضاء التونسي “بتحجير السفر وتجميد أموال بعض المشتبه فيهم”.
ويواجه الفخفاخ شبهات تضارب المصالح بعد حصول شركات يملك فيها مساهمات على مناقصات بقيمة 15 مليون دولار، ما دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى مطالبته بالاستقالة بعد مطالبة كتل برلمانية بسحب الثقة من حكومته.
وفي نهاية يونيو الماضي، قالت هيئة مكافحة الفساد إنه توجد “شبهة تضارب مصالح للفخفاخ بشأن امتلاكه مساهمات في شركات تتعامل مع الدولة تجاريا وأبرمت معها صفقات، وهو ما يمنعه القانون”.
وتحمل إثارة شبهة تضارب المصالح دلالات مختلفة يرى البعض أنها لا تخلو من صبغة سياسية تزيد من تعقيد العلاقات بين مختلف الأطراف وتعطل نسق العمل السياسي.
وأكدت القاضية ورئيسة جمعية القضاة التونسيين السابقة كلثوم كنو، أن “إثارة المسألة فيها توقيت سياسي خصوصا خلال الستة أشهر الأولى من عمل الحكومة التي ما زالت في هذه الفترة تبحث عن توازنها خاصة بعد الحجر الصحي وأن إثارة هذا الموضوع تعني بالضرورة انتفاع أطراف سياسية دون سواها” من دون أن تحدد هوية الأطراف التي تقصدها.
وأضافت كنو في تصريح لـ”العرب”، أن “الفخفاخ كان مستهدفا منذ البداية صحبة كامل فريقه الحكومي، ولا يمكن البت في الأمر الآن لأن القضاء ما زال لم يحسم الأمر فيه”.
وفي الاتجاه ذاته ذهب النائب بالبرلمان عن كتلة قلب تونس فؤاد ثامر، واعتبر في تصريح لـ”العرب”، أن “القضاء ما زال لم يقل كلمته الأخيرة بعد، والأمر موكول أيضا للهيئات الرقابية والنيابة العمومية التي ستنظر في المسألة”.
وعلى الرغم من تأكيد الفخفاخ أمام البرلمان على سلامة موقفه القانوني وحصول الشركات على مناقصات من الدولة في فترة سابقة لترؤسه للحكومة، إلا أن تقارير هيئات الرقابة الحكومية فنّدت ذلك.
وأكدت هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية في تونس، وهي هيئة مراقبة حكومية، أنّ مهمة التدقيق التي كلفت بها بشأن ملف شركات الفخفاخ أثبتت وجود محاباة واضحة في مناقصات مجامع رئيس الحكومة المستقيل، إلى جانب وجود مخالفات إجرائية في فرز ملفات الصفقات.
وأشار التدقيق الذي شمل التثبت من شرعية إسناد المناقصات إلى شركات الفخفاخ، ونشرته الهيئة الجمعة، إلى عدم قانونية الصفقات التي حصلت عليها شركات رئيس الحكومة المستقيل. غير أن التقرير لم يتكفّل بالتدقيق في وضعية تضارب المصالح.
وفتحت هيئة الرقابة الحكومية التحقيق في شبهة تضارب المصالح التي تحوم حول الفخفاخ، بعد كشف نواب في البرلمان عن حصول شركات يملك مساهمات فيها على مناقصات بقيمة 15 مليون دولار منذ تعيينه رئيسا للحكومة.
وتطرح شبهة تضارب المصالح سبل التأسيس لآلية مستقبلية من شأنها أن تجنب البلاد ممارسات الفساد وتضارب المصالح والسقوط في منزلقات يصعب الخروج منها خصوصا إذا ما تعلق الأمر بتقلد مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة.
وعلى غرار ثامر، دعت كنو إلى “ضرورة التقصي مستقبلا ومنذ البداية بخصوص ممتلكات المرشحين لتقلد المناصب العليا والمسؤوليات الكبيرة في البلاد سواء في البرلمان أو في الحكومة”، وشددت على ضرورة التقصي بخصوص المعطيات التي تشمل عائلاتهم وأقاربهم “تجنبا للغط السياسي القائم وضمانا لاستمرارية عمل مؤسسات الدولة”.
وكان الفخفاخ قد قدم استقالته الأربعاء الماضي، لتتحول حكومته إلى حكومة تصريف أعمال بعد ضغط برلماني وحزبي حتى إيجاد بديل له.
وشكّل مجلس نواب الشعب لجنة تحقيق في شبهة تضارب المصالح التي تعلقت بالفخفاخ، ولكنها لم تنشر نتيجة أعمالها بعد.
وترأس الفخفاخ منذ 27 فبراير، ائتلافا حكوميا يضم: حركة النهضة (إسلامية)، والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي)، وحركة الشعب (ناصرية)، وحركة تحيا تونس (ليبرالية)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية).
والخميس، أعلن الرئيس سعيد قبول استقالة الفخفاخ وبدء مشاورات لتكليف شخصية جديدة بتشكيل حكومة، وذلك بعد يوم من إعلان النهضة تقديم لائحة في البرلمان تطالب بسحب الثقة من حكومة الفخفاخ.
وجاءت الاستقالة في ظل أزمة بين رئيس الحكومة المستقيل والنهضة، التي تملك أكبر كتلة برلمانية. وكانت الحركة قد أعلنت عن نيتها بدء مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، بعدما اعتبرت أن “شبهة تضارب المصالح” التي تلاحق الفخفاخ قد أثرت سلبا على صورة الائتلاف الحاكم.
خالد هدوي
صحافي تونسي