تشير الأرقام المفزعة إلى أن تونس تشهد تزايدًا ملحوظًا في حالات تقتيل النساء، حيث سجلت 21 جريمة حتى سبتمبر 2024. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل يمثل صرخة للواقع القاسي الذي تعيشه النساء في ظل تصاعد ظاهرة العنف الأسري. تضاعف حالات القتل أربع مرات بين 2018 و2023 يعكس تعمق الأزمة، ويكشف عن ثغرات خطيرة في نظام الحماية، الذي من المفترض أن يحمي النساء من المصير الذي لقيته العديد منهن.
مقالات ذات صلة:
اكتشاف علمي جديد يكشف سر حدة اللمس لدى النساء
ارتفاع جرائم تقتيل النساء في تونس: دعوات لتشديد القوانين وتعزيز الحماية
حماية النساء والفتيات من العنف في عصر الرقمنة: التحديات والتحولات
العنف الأسري: أين يكمن الفشل؟
ما يثير القلق هو أن معظم النساء الضحايا سبق لهن أن طلبن الحماية من أزواجهن أو شركائهن قبل وقوع الجريمة، ولكن هذه الطلبات لم تُقابل بالتدخل الفعّال. رغم أن القانون رقم 58 لسنة 2017 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة كان بمثابة خطوة كبيرة، إلا أن التنفيذ لا يزال متعثرًا، حيث تفتقر الأجهزة الأمنية والقضائية للتدريب الكافي وللآليات اللازمة للاستجابة السريعة والفعالة.
العديد من النساء، خاصة في المناطق الهامشية والفقيرة، يفتقدن الدعم المادي والمعنوي الذي قد يمكنهن من اتخاذ خطوات نحو الأمان. العنف هنا ليس مجرد حادثة فردية، بل هو نتيجة لتشابك مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تزيد من هشاشة النساء وتجعلهن عرضة للاستغلال والإيذاء.
الاقتصاد والعنف: علاقة خطيرة
الوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه العديد من النساء في تونس يُعد واحدًا من العوامل الأساسية التي تبقيهن ضمن دائرة العنف. إذ يُجبر غياب الاستقلال المالي العديد من النساء على البقاء مع شركاء عنيفين، ليس لعدم وعيهن بالخطر، ولكن لعدم توفر بدائل اقتصادية تمكنهن من الهروب من هذا العنف. في ظل هذا الوضع، يصبح من الضروري ليس فقط توفير الحماية القانونية، بل أيضًا توفير الدعم الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكن النساء من تجاوز هذه المواقف.
أزمة تطبيق القانون
من الواضح أن وجود قانون فعال ليس كافيًا إذا لم يترافق مع إرادة حقيقية لتطبيقه. في تونس، لا تزال آليات تطبيق القانون رقم 58 قاصرة، سواء من ناحية الاستجابة الأمنية أو توفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المعنفات. البيروقراطية والتعقيدات القانونية تجعل من الصعب على النساء الحصول على الحماية اللازمة في الوقت المناسب، ما يؤدي إلى وقوع الجرائم بعد فوات الأوان.
هنا يظهر تقصير واضح من قبل المؤسسات المعنية، حيث يجب تحسين التدريب والتوعية على مستوى القضاة وأفراد الأمن، لضمان أن القضايا المتعلقة بالعنف الأسري تُعامل بالجدية والسرعة اللازمتين.
مراكز الإيواء: حل أم مجرد مسكن؟
أحد الحلول المقترحة دائمًا هو توفير مراكز إيواء للنساء المعنفات. ولكن هذه المراكز قليلة وغير قادرة على استيعاب العدد المتزايد من النساء اللاتي يحتجن إلى مأوى آمن. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر هذه المراكز في كثير من الأحيان إلى الخدمات الشاملة مثل الدعم النفسي والتأهيل المهني، مما يعني أن النساء اللاتي يلجأن إليها قد يجدن أنفسهن في دائرة مفرغة.
النساء بحاجة إلى حماية شاملة لا تقتصر على توفير مأوى مؤقت، بل تشمل أيضًا إعادة تأهيلهن ودعمهن اقتصاديًا ونفسيًا، لضمان أنهن يستطعن بناء حياة جديدة بعيدًا عن دائرة العنف.
الوقاية هي الحل الأهم
في ظل هذه الأرقام المفزعة، يصبح من الضروري أن تُركز الجهود على الوقاية بدلاً من التعامل مع النتائج فقط. التوعية بأهمية حقوق المرأة وضرورة القضاء على العنف ضدها يجب أن تبدأ من المؤسسات التعليمية والإعلامية. هذه الوقاية لا تقتصر فقط على حماية النساء من العنف الجسدي، بل تمتد إلى حماية حقوقهن في التعليم والعمل والكرامة الإنسانية.
يجب على الدولة والمجتمع المدني أن يتكاتفا لوضع برنامج وطني متكامل لمناهضة العنف ضد النساء. هذا البرنامج يجب أن يشمل تعزيز الوعي المجتمعي، تفعيل القوانين بجدية، وتوفير الدعم الكامل للنساء المعنفات، بما في ذلك الدعم المالي والاجتماعي والنفسي.
ختامًا
تصاعد العنف ضد النساء في تونس لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية، بل أصبح أزمة وطنية تتطلب تحركًا سريعًا وحاسمًا. الأرقام المفزعة هي انعكاس لتراكم الفشل في حماية النساء، وتجاهل حقوقهن في العيش بكرامة وأمان. الوقت قد حان لتفعيل القوانين، وتوسيع نطاق الحماية، وضمان أن كل امرأة تتعرض للعنف تجد الدعم والحماية اللازمين دون تأخير. حماية النساء ليست مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة لضمان مستقبل أكثر عدالة وإنسانية.