عادت تونس لتتذكر مجددًا جراحها العميقة مع حادثة الحريق الذي اندلع في ضيعة الزوية، حيث تعرضت ممتلكات الدولة لحرق شامل طال الجرارات والمعدات الزراعية. إن هذه الحادثة ليست مجرد عمل تخريبي، بل هي جريمة تمس كرامة الوطن وحقوق المواطن. تأتي هذه الواقعة لتؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة إلى محاسبة صارمة وكشف للحقائق، خاصةً في ظل ما تعانيه البلاد من فساد إداري ومالي يتفشى كالنار في الهشيم.
مقالات ذات صلة:
تقرير- الفساد المالي والإداري في تونس: أزمة تهدد مستقبل البلاد وتغتال آمال الشعب
قيس سعيد: لا تهاون في حماية أملاك الشعب التونسي وتطهير هنشير الشعال من الفساد
قيس سعيد: لا عذر لأحد في تأخير الإصلاحات – مرحلة جديدة لتونس دون مكان للفساد
تفاصيل الحادثة: إهانة للمال العام
لم يكن مجرد حريق عابر، بل هو تجسيد لثقافة الاستهتار بالمال العام. حرق الجرارات التي تمثل عصب الإنتاج الزراعي في البلاد يُظهر عدم المسؤولية والإهمال الذي يغلف بعض الممارسات في إدارة الممتلكات العامة. هذه الممتلكات لم تكن يومًا ملكًا لفرد أو جماعة، بل هي ملك للشعب التونسي بأسره، وقد تعرضت لأبشع أنواع الإهانة.
إن حرق هذه المعدات يجب أن يُعتبر بمثابة إعلان حرب على كل ما يمثل مؤسسات الدولة. في الوقت الذي يسعى فيه المواطنون إلى تحسين حياتهم وتطوير بلدهم، تأتي مثل هذه الحوادث لتجعل من الصعب على الجميع المضي قدمًا.
صدى الماضي: إتلاف الأرشيف وإبعاد الكفاءات
يستدعي هذا الحادث مشاهد مأساوية من الماضي القريب، مثل إتلاف الأرشيف في وزارة الداخلية وإبعاد الكفاءات. هذه الممارسات تُظهر أن هناك سياسة ممنهجة لإغراق الدولة في الفوضى، والتخلص من كل ما هو شفاف أو موثوق. إن إبعاد الكفاءات من مواقعهن، وإتلاف الوثائق التاريخية، لا يؤديان سوى إلى إضعاف المؤسسات الوطنية، وتعميق أزمة الثقة بين المواطن والدولة.
إن عدم معالجة هذه الممارسات، أو على الأقل عدم اعتراف المسؤولين بخطورتها، يجعل من المستحيل تحقيق أي تقدم. فالمؤسسات التي تُفقد ذاكرتها لن تستطيع بناء مستقبل يليق بتطلعات الشعب.
الحماية الأمنية: ضرورة قصوى
في ظل الفوضى السائدة، تبرز الحاجة الملحة لتعزيز الحماية الأمنية للممتلكات العامة، خاصةً في المواقع الحساسة مثل الهنشير. فليس من المقبول أن تظل الممتلكات العامة عرضة للاعتداءات دون وجود خطة واضحة لحمايتها.
يجب أن تتبنى الدولة خطة أمنية شاملة تتضمن تكثيف الحراسة العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى إدخال تقنيات حديثة لمراقبة الممتلكات العامة. فالحماية ليست مجرد واجب على الأمن، بل هي مسؤولية مجتمعية تشمل جميع المواطنين.
دعوة للتحرك: لنكن صوت الحق
ما شهدته ضيعة الزوية يدعونا جميعًا، كتونسيين، إلى ضرورة الانخراط في التحرك من أجل العدالة والمساءلة. إننا بحاجة إلى وقفة جادة تتجاوز الإدانة الكلامية. يجب على المجتمع المدني، والهيئات الرقابية، والقضاء، التحرك بسرعة وكفاءة لضمان فتح تحقيق شامل. فهذه الجريمة لا ينبغي أن تمر دون عقاب.
إن الخطوات التي نتخذها اليوم ستكون أساسًا لبناء غدٍ أفضل. لن نسمح للفساد بأن يتغول على مقدرات وطننا، ولن نسمح لمثل هذه الأفعال بأن تصبح عادية. فالأمل في التغيير لا يكمن في انتظار الآخرين، بل في توحيد جهودنا لبناء وطن يخدم مصالح الجميع.
العدالة هي الطريق إلى الاستقرار
إن الوضع الحالي في تونس يتطلب منا جميعًا أن نكون صوت الحق، وأن نعمل جاهدين على كشف الحقائق وتحقيق العدالة. إن حريق ضيعة الزوية يجب أن يكون جرس إنذار لكل مسؤول وكل مواطن. فلنضع جميعًا أيدينا في أيدي بعضنا البعض، ونعمل معًا على استعادة ثقة المواطنين في مؤسسات دولتهم، وضمان أن حقوقهم وممتلكاتهم محفوظة ومصانة.
إن استعادة الحق تتطلب جهودًا متكاملة، ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال الإرادة الصادقة والعزم على التغيير. فلتكن هذه اللحظة نقطة انطلاق نحو مستقبل يليق بتطلعاتنا جميعًا.