اختر لغتك

الشباب في الأحياء الشعبية يعيشون أمل مكبل بتحديات الواقع

الشباب في الأحياء الشعبية يعيشون أمل مكبل بتحديات الواقع

الشباب في الأحياء الشعبية يعيشون أمل مكبل بتحديات الواقع

في ظل الأفق المتغير لتونس الحديثة، يبرز النقاش حول الشباب في الأحياء الشعبية كإحدى القضايا الأكثر إلحاحا وإثارة للجدل، هذه الفئة التي تمثل النسبة الأكبر من المجتمع، تقف على مفترق طرق بين الأمل المكبل بقيود الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وبين الطموحات التي قد تصطدم بجدران التهميش والإقصاء، وبالنظر إلى الدور المحوري للشباب في صياغة مستقبل أي مجتمع، يصبح من الضروري الوقوف على أوضاعهم وتحليل تحدياتهم من خلال عدسة واقعية وشاملة.

مقالات ذات صلة:

وزير الصحة الألماني يسعى لفرض حظر على غاز الضحك بعد تصاعد استخدامه كمخدر بين الشباب

تونس وإيطاليا تعززان التعاون لتوظيف الشباب في قطاع البناء: إطلاق دورات تكوينية تمهيدًا لهجرة منظمة

تقرير- المخدرات في تونس: السموم الخفية التي تلتهم مستقبل الشباب وتدمر المجتمع

تمثل الأحياء الشعبية في تونس مختبرا للواقع الاجتماعي بمختلف أبعاده، ومن خلال دراسة حي النور بصفاقس والكرم الغربي، تتجلى صورة مركبة ومعقدة لشباب يعايشون يوميا تداعيات غياب العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، تلك المناطق، رغم ما تختزنه من طاقات بشرية هائلة، تعاني من محدودية الفرص وانعدام البنية التحتية اللازمة للنهوض.

الظروف القاسية التي يعيشها الشباب في هذه الأحياء ليست مجرد عوائق مادية، بل هي عوامل تغذي شعورا متزايدا بالإقصاء الاجتماعي والثقافي، هذا الواقع يضع الشباب في مواجهة مزدوجة: مواجهة التحديات اليومية المرتبطة بالبطالة وتدهور الخدمات، ومواجهة شعور متنام بعدم الانتماء.

هذا وتعد قضية التنمية غير العادلة واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الأحياء الشعبية، ففي الوقت الذي تتركز فيه الاستثمارات والفرص في المناطق الحضرية والمركزية، يبقى سكان الأحياء الشعبية، خاصة الشباب، خارج دائرة الاستفادة من هذه المشاريع، حيث يخلق هذا التهميش  فجوة متزايدة بين المركز والأطراف، تعكس نفسها في إحساس الشباب بالعزلة عن المشروع الوطني الأكبر.

فالأحياء الشعبية ليست مجرد تجمعات سكنية مكتظة، بل هي انعكاس للهوة العميقة بين المناطق المهمشة ومراكز النفوذ الاقتصادي، فغياب التخطيط الاستراتيجي الذي يضع الإنسان في صميم العملية التنموية أدى إلى تكريس اللامساواة كقاعدة لا كاستثناء، ليدفع هذا الوضع الشباب إلى البحث عن بدائل، سواء من خلال الهجرة غير النظامية أو الانخراط في أنشطة غير قانونية، في محاولة يائسة لتجاوز الحواجز التي فرضها الواقع.

هذا ولا يمكن التعامل مع أزمة الشباب في الأحياء الشعبية من خلال حلول سطحية أو قصيرة الأمد، المطلوب هو رؤية شاملة تنطلق من إدراك حقيقي لخصوصيات كل منطقة، فالأحياء الشعبية ليست كتلة متجانسة، بل هي نسيج متنوع يحتاج إلى سياسات موجهة تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المحلية.

وعلى صعيد التعليم، يجب توفير مسارات تعليمية بديلة تتماشى مع متطلبات سوق العمل، غالتعليم المهني على سبيل المثال، يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتأهيل الشباب وتمكينهم من مهارات تفتح أمامهم آفاقًا أوسع، أما في مجال التشغيل فإن تشجيع ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة، من خلال تقديم حوافز مالية وإدارية، قد يكون خطوة نحو كسر حلقة البطالة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة العديد من الشباب.

وفيما يخص دور الدولة، يبقى التحدي الأكبر هو استعادة ثقة الشباب في المؤسسات، هذه الثقة التى لا يمكن بناؤها إلا من خلال سياسات جريئة تعتمد الشفافية والعدالة الاجتماعية كأسس ثابتة، إضافة إلى ذلك لابد من أن تكون هذه السياسات مدعومة بآليات تنفيذ تضمن تحقيق الأهداف المعلنة بعيدا عن الشعارات الفارغة.

علما وان الشباب في الأحياء الشعبية يمثل مفتاحا حقيقيا لتغيير المشهد التونسي إذا ما أتيحت له الفرصة للانتقال من دور المتلقي إلى دور الفاعل، فالاستثمار في قدراتهم وتمكينهم من المشاركة في صنع القرار يعد ضرورة ملحة وليس خيارا، فهم ليسوا فقط أمل المستقبل، بل هم أيضا قوة حاضرة قادرة على قيادة التغيير في الحاضر.

كما وان دراسة حي النور والكرم الغربي تظهر أن الشباب، رغم كل التحديات يملكون إرادة حقيقية لتجاوز واقعهم، هذه الإرادة لا تكفي وحدها، بل تحتاج إلى إطار مؤسساتي يدعمها ويحولها إلى عمل جماعي منظم يعيد صياغة العلاقة بين الأحياء الشعبية والدولة، فهولاء الشباب ليسوا مجرد أدوات للتغيير، بل شركاء في صياغة الرؤية الوطنية.

إن الحديث عن الأحياء الشعبية هو في جوهره حديث عن مستقبل تونس، فهذه المناطق التي عانت طويلا من التهميش، قد تكون نقطة انطلاق نحو نموذج تنموي جديد يعيد التوازن إلى المجتمع، والشباب في هذه الأحياء ليسوا مشكلة يجب حلها، بل هم فرصة يجب اغتنامها والطريق لتحقيق ذلك يبدأ بالاعتراف بدورهم المحوري والعمل على إشراكهم في بناء مستقبل مشترك يتسع للجميع.

في النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن تونس من تحويل هذه الطاقة الكامنة إلى قوة تغيير فعالة، أم سيظل الشباب في الأحياء الشعبية أسرى واقع لم يختاروه؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب إرادة سياسية جادة، ورؤية تنموية عميقة تستوعب الأبعاد المختلفة لهذه القضية العميقة.

آخر الأخبار

"بعد نص الليل ونص" يضيء المسرح بجائزة أفضل سينوغرافيا

"بعد نص الليل ونص" يضيء المسرح بجائزة أفضل سينوغرافيا

العنف ضد النساء في تونس من التشخيص إلى الوقاية الفاعلة

العنف ضد النساء في تونس من التشخيص إلى الوقاية الفاعلة

الشباب في الأحياء الشعبية يعيشون أمل مكبل بتحديات الواقع

الشباب في الأحياء الشعبية يعيشون أمل مكبل بتحديات الواقع

الشعر التونسي يضيء منتدى ليانغتشو: منير الوسلاتي يرفع صوت الإبداع في قلب بكين

الشعر التونسي يضيء منتدى ليانغتشو: منير الوسلاتي يرفع صوت الإبداع في قلب بكين

وزيرة الأسرة تفتتح ندوة حول مؤشرات العنف ضد النساء وتكريس العمل المشترك لتعزيز الوقاية

وزيرة الأسرة تفتتح ندوة حول مؤشرات العنف ضد النساء وتكريس العمل المشترك لتعزيز الوقاية

Please publish modules in offcanvas position.