تونس – 24 جانفي 2025
تعيش الساحة الثقافية التونسية على وقع نقاش ساخن حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية الذي تواصل لجنة السياحة والثقافة بمجلس نواب الشعب مناقشته. ورغم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الفنان التونسي، يبقى السؤال الأهم: هل ستضع هذه المبادرة التشريعية حدًا لتهميش الفن والفنانين في البلاد؟
مقالات ذات صلة:
لطفي بوشناق: أيقونة الفن التونسي وثروة وطنية تستحق الاحتفاء
طرد الفنانة زازا من حفل زفاف يشعل الجدل في تونس
نيروز: بين أضواء الفن ونداء الإنسانية... ماذا تخبئ النجمة التونسية لجمهورها؟
في اجتماعها يوم الجمعة 24 جانفي 2025، أكدت لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية على أن هذا القانون يُعتبر أولوية وطنية، مشيرة إلى ضرورة الإسراع في سنه من أجل تنظيم المهن الفنية وحماية حقوق الفنانين. لكن بين الحماسة التشريعية والواقع المؤلم للفنانين في تونس، يبقى الجدل قائمًا حول جدية هذا المشروع وقدرته على تغيير واقع الإبداع الثقافي والفني في تونس.
نظام قانوني ضبابي للفنان التونسي
طالما عانى الفنانون التونسيون من غياب إطار قانوني واضح يحمي حقوقهم ويراعي خصوصيات عملهم الإبداعي. ويواجه العديد منهم صعوبة في الحصول على مستحقاتهم المالية، في ظل غياب الضوابط الخاصة بمكافأة العمل الفني وحمايته من الاستغلال التجاري. ناهيك عن قلة التمويل المخصص لتعليم الفنون ودعمه، مما يحد من قدرة الفنانين على التنافس في الساحة العربية والدولية.
"نحن بحاجة إلى هذا القانون، لوقف التدهور"، هذا ما أكده الفنان التونسي محمد، أحد أبرز الوجوه في السينما والمسرح التونسي، الذي قال في تصريح خاص: "من دون هذا القانون، لن نصل إلى ما نطمح إليه. الفن ليس مجرد هواية بل هو مهنة تتطلب الدعم والحماية القانونية."
مطالب النقابات والمبدعين
بعد سنوات من الغموض التشريعي، يبدو أن الوقت قد حان لكي يعترف المشرع التونسي ب الفن كصناعة ثقافية حيوية، يحتاج فيها الفنانون إلى حماية قانونية تضمن حقوقهم في الملكية الفكرية وتوفير الضمان الاجتماعي. وهو ما تطرقت إليه النقابات في اجتماعاتها مع أعضاء اللجنة، إذ شددت على أن الحماية القانونية يجب أن تشمل، بالإضافة إلى المكافآت المالية، تدابير لحماية الفنانين من الاستغلال وتعزيز قدراتهم الإنتاجية.
ومن أبرز النقاط التي يتضمنها مقترح القانون، توفير إطار قانوني شامل ينظم المهن الفنية، وتخصيص صندوق دعم يساعد الفنانين على تمويل مشاريعهم، بالإضافة إلى إجراءات حماية حقوق الملكية الفكرية وحصول الفنان على مستحقاته بشكل عادل.
التحديات الاقتصادية: بين الأمل والقلق
في المقابل، يتوقع العديد من المتابعين أن لا يكون هذا القانون كافيًا للرد على تحديات السوق الثقافي التونسي، حيث يواجه القطاع، كغيره من القطاعات الاقتصادية، صعوبات مالية ناتجة عن ضعف الاستثمارات في المجال الثقافي، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية التي يواجهها الشعب التونسي بشكل عام. وهذا ما يثير القلق بين الفنانين الذين يرون أن ما يعيق نجاح هذا القانون هو نقص الميزانية المخصصة لتمويل المشاريع الثقافية، خصوصًا في فترة تعاني فيها الدولة من عجز مالي وتراجع في الموارد.
"القانون لوحده لا يكفي، نحن بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية"، يضيف فنان آخر في مجال الموسيقى، معتبرًا أن غياب التخطيط المالي قد يفرغ هذا القانون من مضمونه في حال لم يواكبه دعم حقيقي للقطاع.
الفرص والتحديات في عيون المسؤولين
أما على مستوى الحكومة، فقد أكدت وزيرة الثقافة، أمينة الصّرارفي، في تصريحاتها الأخيرة على ضرورة إيلاء الفن العناية اللازمة، مشيرة إلى أن هذا القانون يهدف إلى إحياء الفنون في تونس وتحقيق منافسة حيوية للفنانين على المستوى العربي والدولي. وأكدت أن هذا التوجه التشريعي سيتوج بآليات لتنظيم القطاع الثقافي من خلال دعم الاستثمار في الفن ورعاية الحقوق الفكرية للفنانين، رغم التحديات الاقتصادية الراهنة.
"الأهم هو أن يكون هنالك إرادة لتنفيذ هذا القانون بشكل صحيح"، تقول الوزيرة، معتبرة أن تشجيع الفن كصناعة ثقافية قادرة على إعادة إحياء الاقتصاد التونسي من خلال السياحة الثقافية.
بين الأمل والانتظار
في النهاية، يبقى السؤال معلقًا: هل سينجح مقترح القانون في مواجهة التحديات التي يعاني منها الفنانون في تونس؟ وهل سيُترجم إلى خطوات ملموسة أم أنه سيكون مجرد حبر على ورق؟ ما هو مؤكد هو أن الفنان التونسي، الذي لطالما ظل في الظل، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من نتائج عملية تضمن له حماية حقيقية في إطار تشريعي عادل ومتوازن.