اختر لغتك

الهدر الغذائي في تونس: 113 ألف طن من الخبز ضائعة في العام وواقع اقتصادي يئن

الهدر الغذائي في تونس: 113 ألف طن من الخبز ضائعة في العام وواقع اقتصادي يئن

الهدر الغذائي في تونس: 113 ألف طن من الخبز ضائعة في العام وواقع اقتصادي يئن

في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تعيشها تونس، فإن قضية الهدر الغذائي، خاصة الخبز، تصبح أكثر من مجرد مسألة اقتصادية. فهي تمثل انعكاسًا حقيقيًا لسلوك استهلاكي غير مدروس يعكس الثقافة الاستهلاكية في المجتمع التونسي، والتي تتطلب بالضرورة إعادة تقييم عميقة من قبل جميع الأطراف المعنية.

مقالات ذات صلة:

أزمة الخبز في تونس: إهدار 18% من الإنتاج في ظل استيراد 80% من القمح... هل نحن على مشارف كارثة غذائية؟"

تظاهرة لضحايا انتفاضة الخبز في تونس: نداء للعدالة والإنصاف

قرار بغلق مخبزة في بنزرت بسبب تقديم كميات قليلة من الخبز والإخلال بتراتيب الدعم

الأرقام المقلقة: أزمة الخبز تتصاعد

التقرير الصادر عن المعهد الوطني للاستهلاك، والذي أعلن عن إهدار 113 ألف طن من الخبز سنويًا، بمعدل 42 كيلوغرامًا لكل أسرة، يمثل مؤشرًا غير مسبوق على خطورة هذه الظاهرة. هذا الهدر يشمل كل أسرة تونسية تقريبا، ما يعني أن كل أسرة تُهدر بمعدل 800 غرام من الخبز أسبوعيًا. إذا كانت هذه الأرقام مقلقة، فإن ما يفاقم الوضع هو أن هذا التبذير يحدث في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد التونسي تحديات جسيمة، والطبقات المتوسطة والفقيرة تشعر بثقل الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة.

الهدر الغذائي: أسبابه وتأثيراته

إن الهدر الغذائي في تونس ليس محصورًا في الخبز فقط، بل يتعداه ليشمل العديد من المنتجات الغذائية الأخرى. وتعتبر منتجات الحبوب والخضر في صدارة المنتجات المهدورة. يرى المختصون أن هذه الظاهرة تعود إلى قلة الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد الغذائية في وقت يعاني فيه المواطن من انخفاض القوة الشرائية. قد يعود السبب أيضًا إلى التدني في ثقافة الترشيد، حيث يتعامل المواطن مع هذه المواد كأنها متوفرة بلا حدود، مما يساهم في زيادة معدلات الهدر.

شهر رمضان: مناسبة لتفاقم الأزمة

في شهر رمضان، تزداد هذه الظاهرة بشكل لافت. فخلال الشهر الفضيل، يُضاعف التونسيون استهلاكهم للخبز وغيره من الأطعمة، لكن مع تزايد المقاطعة والشراء المفرط، يتم إهدار كميات ضخمة من الخبز، بالإضافة إلى الأطباق الجاهزة والوجبات التي لا يتم تناولها. هذا الهدر في رمضان يتسبب في أضرار اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. فعلى الرغم من أن أسعار المواد الغذائية ترتفع في هذا الشهر، إلا أن الزيادة في الهدر تؤثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للعديد من العائلات.

أزمة ثقافية أم اقتصادية؟

من الأبعاد الأكثر أهمية في هذه الظاهرة هي العوامل الثقافية التي تسهم في استمرارية الهدر الغذائي. غالبًا ما يتم التعامل مع الخبز والمواد الغذائية بشكل يومي وكأنها شيء مادي متاح بلا حدود، وهذا هو السبب في إهمال بعض الأسر في حفظ الطعام وتخزينه بشكل صحيح، بالإضافة إلى الاستهلاك المفرط الذي يؤدي بدوره إلى تراكم كميات كبيرة من الطعام غير المستهلك. هذه العادة، التي تعكس سلوكًا موروثًا، تحتاج إلى تغيير جذري من خلال حملات توعية مستمرة، موجهة بشكل أساسي نحو الأسرة التونسية، والحد من التقليد المفرط لثقافة "الشبع" والتهام الطعام بشكل زائد عن الحاجة.

أبعاد اقتصادية واجتماعية هامة

على المستوى الاقتصادي، يُشكل الهدر الغذائي عبئًا إضافيًا على ميزانية الأسرة التونسية. فمع تدني القدرة الشرائية وزيادة النفقات اليومية، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن هذه الأموال التي تُهدر في الطعام يمكن أن تكون مستثمرة في مجالات أخرى لتحسين مستوى المعيشة. كما أن هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، حيث تؤدي إلى تزايد الضغط على القطاع الزراعي والصناعي في تونس، الذي لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تحسين الإنتاجية وضبط الأسواق.

التحديات المستقبلية: هل من حلول؟

من أجل الحد من ظاهرة الهدر الغذائي، خاصة في مادة الخبز، يجب على الحكومة والمجتمع المدني اتخاذ خطوات جادة على المستويين الفردي والجماعي. يجب التركيز على التوعية والتحسيس بمخاطر هذه الظاهرة وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على تعزيز ثقافة الترشيد في الاستهلاك. ينبغي أن تكون هناك مبادرات وبرامج توعوية تطال جميع فئات المجتمع، مع وضع سياسات حوافز وتشجيع للمستهلكين على التقليل من إهدار الغذاء.

ضرورة التغيير في العادات الاستهلاكية

الحديث عن الهدر الغذائي لا يعني فقط النقاش حول الخبز، بل هو دعوة لتغيير عقلية استهلاكية قديمة لا تتماشى مع احتياجات الوقت الراهن. على جميع الأطراف المعنية، من حكومة ومجتمع مدني ومواطنين، العمل على تجنب هذا التبذير المهدر للموارد، الذي يمكن أن يكون له تأثيرات على المدى الطويل لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تشمل الأبعاد الاجتماعية والبيئية أيضًا.

Please publish modules in offcanvas position.