قالت دوائر سياسية مقربة من حركة النهضة إن راشد الغنوشي “يرفض تغيير هيكلية الحكومة الحالية ويتمسك بتركيبة بناء على ثقل الأحزاب في البرلمان لا بناء على تطورات المشهد السياسي التي أفرزت قوى علمانية على أن تقودها شخصية ندائية، ما يعني ضمنيا أن تونس قادمة على نسخة جديدة من ترويكا نهضوية ندائية يستأثر فيها الحزبان بغالبية الحقائب الوزارية.
وقالت الدوائر التي رفضت الكشف عن هويتها إن “الشيخ لا يمانع في انفتاح تركيبة الحكومة القادمة على عدد من الأحزاب الصغرى والبعض من الشخصيات المستقلة شرط ألا يمس الانفتاح الحق المشروع لكلّ من النهضة والنداء بأن تعكس التركيبة وزنهما في البرلمان”.
وتتصدر النهضة قائمة الكتل البرلمانية بـ69 مقعدا يليها النداء بـ67 مقعدا تليها كتلة الحرة الموالية لحزب مشروع تونس بـ25 نائبا ثم الجبهة الشعبية المعارضة بـ15 مقعدا فالاتحاد الوطني الحر بـ12 نائبا والآفاق بـ10 نواب والكتلة الاجتماعية الديمقراطية بـ7 نواب.
وتظهر القراءة في تركيبة الكتل الانتخابية أن التحولات التي شهدتها الخارطة السياسية قادت إلى الرفع من تموقع الكتل العلمانية وفي مقدمتها مشروع تونس والجبهة الشعبية وآفاق تونس والكتلة الاجتماعية الديمقراطية، وهي كتل معادية للتحالف بين النداء والنهضة وتستحوذ معا على 47 مقعدا وهي نسبة تقترب من نسبة 25 بالمئة من عدد مقـاعد البرلمان البالغ 217 مقعدا.
غير أن تموقع الكتل العلمانية المعارضة للتحالف لم يرتق بعد إلى مستوى القوة الانتخابية القادرة على ممارسة ضغوط حاسمة على الأغلبية البرلمانية النهضوية والندائية التي تعد 136 مقعدا باتجاه حكومة وحدة، خاصة في ظل رفض الجبهة الشعبية المشاركة في تركيبتها.
وكشفت الدوائر أن هناك “اتفاقا” مبدئيا بين النهضة والنداء، قبل سحب الثقة من حكومة الصيد، على “الإبقاء على الهيكلية الحالية للحكومة على أن تتوسع تركيبتها لتشمل أحزابا صغرى مشاركة في المشاورات مثل مشروع تونس وحركة الشعب والجمهوري والمبادرة وغيرها”.
وأكدت الدوائر أن “الاتفاق” بين النداء والنهضة يقضي بتركيز تركيبة حكومية سياسية يتقاسم فيها النداء والنهضة ما لا يقل عن 45 بالمئة من الحقائب الوزارية، وهي نسبة تعادل تقريبا نسبة تمثيلية الحزبين الحليفين في البرلمان.
وتتطابق تسريبات الدوائر السياسية مع تصريحات راشد الغنوشي وآخرها تصريح أدلى به الأحد إلى إذاعة “أوازيس أف أم” المحلية حيث شدد على أن المشاركة في تركيبة الحكومة يجب أن تراعي “الأوزان” أي نتائج انتخابات خريف 2014 التي مكنت النداء والنهضة من الأغلبية البرلمانية.
وقال الغنوشي بعد يوم واحد من سحب الثقة من حكومة الصيد “لا يمكن لحزب له مقعد واحد في البرلمان أن يكون ممثلا في الحكومة أكثر ممن له 69 مقعدا”، في إشارة إلى عدد مقاعد النهضة.
وتعليقا على ضغوط الغنوشي يشدد أحمد الدريسي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية على أن “تونس قادمة على ترويكا جديدة تقودها النهضة والنداء ولكن في نسخة مطعمة بإشراك 5 أو 6 أحزاب صغرى لا وزن لها سياسيا وشعبيا من خلال التكرم عليها بحقيبة وزارية واحدة في أحسن الأحوال”.
ويؤكد الدريسي أن “مفهوم حكومة الوحدة الوطنية كما طرحها الرئيس قايد السبسي تتناقض تمام التناقض مع مفهوم الحكومة السياسية التي لا تعكس في العمق سوى حكومة حزبية تعمل تحت سطوة النداء والنهضة”.
وتخشى اتجاهات الرأي العام من أن يزج استنساخ الترويكا التي حكمت عامي 2012 و2013 بتونس في فوضى سياسية تتغذى من رفض قوى سياسية معارضة وقوى مدنية لتركيبة لا تمثل سوى 50 بالمئة من الناخبين التونسيين في ظل رفض الاتحاد العام التونسي للشغل والجبهة الشعبية المشاركة فيها.
وقالت الدوائر السياسية المقربة من النهضة إن “تركيبة الحكومة المرتقبة نوع من التعديل الوزاري أكثر منها هيكلة جديدة، وهو التعديل الذي سيحافظ على التركيبة الحالية مع إقالة عدد من الوزراء والرفع من عدد الحقائب الوزارية المسندة للنهضة وللنداء وإشراك الأحزاب الصغرى المشاركة في المشاورات.
ولفتت الدوائر إلى أن الغنوشي أشار إلى ذلك حين صرح لإذاعة “أوازيس أف آم” أن”هناك “أطرافا تبقى وأخرى تغادر”.
وفي ظل تمسك النهضة والنداء بالإبقاء على هيكلية الحكومة الحالية من جهة، وتمسك القوى السياسية المعارضة والقوى المدنية بتركيز تركيبة جديدة تقطع مع تجربة الترويكا والائتلاف الحاكم تبدو حكومة الوحدة الوطنية مرشحة للتجويف من خلال إفراغها من أهدافها السياسية الوطنية.
ويسعى راشد الغنوشي إلى إشراك أكثر ما يمكن من قادة النهضة من الجيل الثاني المقربين منه في التركيبة المرتقبة، مستفيدا من إزاحة القيادات المناهضة له من جهة، ومن تدني أداء الأحزاب العلمانية وتشرذمها من جهة أخرى.
وأكد الدريسي “أن إصرار النداء والنهضة على التقاسم العادل لمواقع القرار الحكومي ضمن التركيبة المرتقبة لن يقود سوى إلى تعقيد المشهد السياسي المعقد بطبعه وإلى حالة من الاستقطاب الحاد بين الحاكمين والمعارضين، الأمر الذي يمثل خطرا على الأوضاع العامة بالبلاد”.