مسؤول في وزارة التجارة التونسية: مراجعة الاتفاقية باتت أمرا مستعجلا ويمكن إلغاؤها.
تطرح تونس مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، كما لا تستبعد إلغاءها، إثر تضرّر اقتصادها في السنوات العشر الأخيرة، وبلوغ العجز التجاري إلى ما يزيد عن مليار دولار، بعد أن اتخذت الاتفاقيات التجارية صبغة سياسية استغلتها أحزاب السلطة خدمة لمصالح أنقرة في تونس.
تونس- تتجه السلطات التونسية نحو مراجعة الاتفاقيات التجارية المبرمة مع تركيا منذ أكثر من ستّة عشر عاما، بعد تضرّر الاقتصاد المحلي وتفاقم نسبة العجز التجاري، بسبب تحويلها من توجه اقتصادي إلى مصالح سياسية تخدم بالأساس مصالح حركة النهضة وأنقرة.
وكشف وزير التجارة محمد بوسعيد في مقابلة مع صحيفة محلية أن بلاده تعمل على مراجعة تلك الاتفاقية، في محاولة لحماية الإنتاج الوطني، معتبرا أن الميزان التجاري كان غير موات لتونس.
وقال مدير التعاون مع أوروبا في وزارة التجارة وتنمية الصادرات نبيل العرفاوي الجمعة، إنّه من المنتظر عقد اجتماع خلال الأسابيع المقبلة مع وفد تركي سيخصّص لتقييم الاتفاقية بعد ست عشرة سنة من دخولها حيّز التنفيذ.
وأكّد في تصريح لإذاعة محلية أنّ “مراجعتها باتت أمرا مستعجلا بالنظر إلى ارتفاع العجز التجاري لتونس مع تركيا”، مشيرا إلى أنّ “الوفد التركي أصر على أن يكون الاجتماع حضوريا وأن المفاوضات ستكون مفتوحة على تعديل الاتفاقية أو حتى إلغائها، وسيكون ذلك بناء على ما ستفرزه المحادثات”.
وبلغ عجز تونس التجاري مع تركيا 2.5 مليار دينار (900 مليون دولار) في 2021، وهو يمثّل ثالث أكبر عجز تجاري لتونس بعد الصين وإيطاليا.
وسبق أن طالبت عدة منظمات من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) والمنظمة التونسية لإرشاد المستهلك وكذلك التجار التونسيون، بضرورة تجميد اتفاق التبادل الحر المعمول به مع تركيا، وفتح مفاوضات لإرساء اتفاق جديد يراعي مبدأ توازن المصالح الاقتصادية بين البلدين.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية موقعة عام 2005، إلا أنه منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي عام 2011، وصعود حركة النهضة إلى الحكم، تثير طبيعة العلاقة الاقتصادية بين تونس وأنقرة تساؤلات كثيرة.
وشهدت المبادلات التجارية عجزا غير مسبوق لصالح الاقتصاد التركي، وفتحت الأسواق التونسية أمام البضائع التركية خاصة في مجال الصناعات الغذائية والاستهلاكية وقطاع النسيج والأدوات المنزلية، واستأثرت الشركات التركية بالحصة الأكبر من الصفقات الكبرى.
ويرى خبراء المالية أن الاتفاقية تسببت في إنهاك الاقتصاد وضرب الإنتاج المحلي وإفلاس شركات تونسية، وسط دعوات تنادي بضرورة مراجعة الاتفاقيات التجارية مع أنقرة، التي استفادت من تعديلات أدخلت على اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين البلدين في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، منحتها امتيازات ضريبية.
وأفاد حسين الديماسي ، وزير المالية الأسبق، بأن “هناك انعكاسا سلبيا للاتفاق التجاري المبرم مع تركيا”، واصفا إياه بـ”العادي وليس استثنائيا”.
وأضاف، “منذ سبع سنوات أخذت الاتفاقية منعطفا آخر وأصبحت مضرة بالاقتصاد التونسي عبر توريد المواد التركية، ما أخل بالأنشطة الصناعية والزراعية المحلية”.
وتابع الديماسي “لم تعد هناك اتفاقية واتجاه مبني على بناء الاقتصاد، بل أخذت منحى سياسيا وأيديولوجيا بعد أن تسلمت حركة النهضة السلطة، ومع الاتفاقية أخذت تونس قرضا تجاريا (حوالي 71.9 مليون دولار)، وهو الأول من نوعه لتورد السلع على حساب السلع التونسية المحلية وكلها مواد استهلاكية”.
واستطرد “الاتفاقية لم تعد ناجعة، والوقت تأخر كثيرا لمراجعتها لأنه كان مرتبطا بأوجه سياسية”.
ويرى مراقبون أن توقيت مراجعة الاتفاقية التجارية مع تركيا تأخرا كثيرا، وكان بإمكان السلطات إنقاذ الاقتصاد التونسي وتجنيبه نسبة عجز هامة.
وقال الخبير المالي والاقتصادي معز الجودي “سبق وأن حذرنا من تداعيات هذا العجز الذي وصل إلى 20 مليار دينار (7.11 مليار دولار)، وتقلص في السنتين الأخيرتين باعتبار جائحة كورونا، ثم عاد الآن للصعود”.
وأضاف “بعد 2011 نقص الإنتاج، وتونس لم تراجع اتفاقياتها التجارية، واضطرت السلطات إلى التوريد من بلدان تشهد معها عجزا تجاريا وهي إيطاليا والصين وتركيا”.
وتابع الجودي “العجز التجاري التونسي مع تركيا وصل إلى مليار دولار، والاتفاقية المبرمة تنص على أن تركيا تشتري السلع من تونس، لكن صار العكس وأصبحت تونس تستورد من أنقرة”، لافتا “كان لا بد من السلطات أن توقف العمل بهذه الاتفاقية منذ مدة”.
وأردف “الاتفاقية لم تراع مصلحة تونس، وهناك تأثير سياسي كبير باعتبار وجود النهضة في السلطة، حيث كانت تحمي هذا العجز عبر القيادي زياد العذاري، الذي تقلّد منصب وزير الاستثمار والتنمية والتعاون الدولي، ودافع كثيرا عن مصالح تركيا”.
وأشار إلى أن “هناك طرفا سياسيا (في إشارة إلى النهضة) كان له تقارب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية”.
عجز تونس التجاري مع تركيا بلغ 2.5 مليار دينار (900 مليون دولار) في 2021، وهو يمثّل ثالث أكبر عجز تجاري لتونس بعد الصين وإيطاليا
وتجاوزت الديون الخارجية لتونس 35.7 مليار دولار، والبلاد مطالبة بسداد نحو 5.4 مليار دولار منها في العام الجاري، أي ما يزيد على مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن ستّة مليارات دولار لسد العجز في ميزانية العام الجاري.
وبلغت نسبة الدين العام المستحق على البلاد خمسا وخمسين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية عام 2010، ليقفز إلى نحو تسعين في المئة خلال العام الجاري.
خالد هدوي
صحافي تونسي